الموقع قيد التطوير

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit

“لا أعلم أين سأضع مولودي”… تحقيق يوثّق قصص سوريات محاصرات مع حملهن بسبب كورونا

تحقيق: مصعب الأشقر – روشين حبو – أحمد حاج حمدو عندما انتقل فيروس كورونا من مدينة ووهان الصينية إلى أنحاء العالم، كانت كلًّا من فاطمة […]

تحقيق: مصعب الأشقر – روشين حبو – أحمد حاج حمدو

عندما انتقل فيروس كورونا من مدينة ووهان الصينية إلى أنحاء العالم، كانت كلًّا من فاطمة (36 عاماً) في مخيّم الركبان في البادية السورية، ورؤى في ريف إدلب في منتصف فترة حملهما.

السيدتان السوريتان لم تكونا على علم بأن هذا الفيروس سوف يضعهما مع جنينيهما في دائرة الخطر.

تعيش فاطمة مع أسرتها في مخيّم الركبان للنازحين السوريين، الواقع أقصى جنوب شرق سوريا، في منطقةٍ معزولةٍ عن العالم منذ تأسيس المخيم قبل ست سنوات، محاصرين بين الحدود الأردنية وقاعدة عسكرية أمريكية ومعابر “إنسانية” روسية.

لا تعرف فاطمة أين تضع مولودها، بعد إغلاق السلطات الأردنية النقطة الطبّية الوحيدة الموجودة في الداخل الأردني، والتي تسمّى “نقطة يونيسيف” ضمن إجراءات التصدّي للفيروس.

بموازاة ذلك، تتخوّف رؤى من حاجة مولودها إلى حاضنة أو جهاز تنفّس غير موجودين في إدلب، في وقتٍ علقّت السلطات التركية استقبال “الحالات الإسعافية” من سوريا، ضمن إجراءات التصدّي للفيروس كذلك.

يأتي ذلك بينما زادت إجراءات الإغلاق من الوضع المأساوي للحوامل السوريات داخل المخيّمات، في ظل نقص الرعاية الصحّية وغياب العناية بالصحّة الإنجابية.

ألقى كورونا بثقله على الحوامل في عموم المناطق السورية، خاصةً تلك الأكثر هشاشة في إتاحة الرعاية الطبّية والأغذية، في مخيمات النزوح داخل سوريا، ومن هنا بدأت فكرة الانطلاق بالتحقيق لإلقاء الضوء على هذا الواقع.

مخيم الركبان

بحسب طبيب في مدينة الحسكة فإن أكبر تأثير للفيروس على الحامل أنها تعاني أصلًا من ضيق في التنفس خلال فترة الحمل، لذلك تكون الخطورة على جسمها أكبر في حال إصابتها بالفيروس، وتصبح مقاومتها أقل من النساء غير الحوامل، وازدادت هذه المشكلة مع صعوبة الوصول للمستشفيات.

على مدار السنوات الماضية، كان دور النقطة الطبية في الأردن هو نقل الحالات الحرجة من مخيّم الركبان، بما في ذلك الحوامل اللواتي يحتجنَ ولادات قيصرية أو رعاية صحّية، إلى المستشفيات الأردنية، وكذلك الحال بالنسبة للأطفال حديثي الولادة الذين يحتاجون لحاضنات أو غواصات أو أجهزة تنفّس اصطناعي.

وعلى الضفاف الأخرى، يستمر خوف الحوامل في الشمال السوري على مواليدهنَّ في حال احتياجهن ومواليدهن لرعاية طبية في وقتٍ يصعب نقل هذه الحالات إلى تركيا في زمن الفيروس.

“أين سألد؟”

السؤال المتكرّر الذي تسأله فاطمة، الحامل في شهرها السابع في مخيّم الركبان، هو “أين سألد؟”، وتقول: “متابعة معاناة النساء خلال الولادة أصعب من الخطر ذاته فأنا أشاهد قدري في النساء اللواتي يحتجنَ عمليات قيصرية ولا يجدنَ مكاناً للولادة”.

وتضيف: “أخاف من حدوث أي سيناريو يؤدّي إلى حاجتي للولادة القيصرية أو حاجة المولود إلى رعاية صحّية أو إلى الحاضنة، وحينها سوف أموت أنا أو يموت طفلي”.

تشكو فاطمة، المنحدرة من ريف حمص، كامرأة حامل من غياب الأغذية الأساسية، فهي لا تأكل الفواكه ولا تحصل على أدوية أو فيتامينات أو مكمّلات غذائية، في حين يتم مراقبة حملها داخل “نقطة تدمر الطبّية” داخل المخيّم الذي يفتقر إلى مقوّمات الرعاية الطبّية.

حصلنا على صورٍ لنقطة تدمر، وهي عبارة عن بناء طيني فيه بضعة غرف، تضم مفروشات مهترئة موضوعة على الأرض وبعض الإسعافات الأولية، ويظهر أنّها غير صالحة لأي إجراء طبّي، كما أن الأدوية الموجود شحيحة وتصل عن طريق التهريب بينما لا تلبّي حاجة النساء الحوامل.

غرفة مراقبة الحمل
غرفة المخاص
غرفة مراقبة الحمل

في الحادي عشر من شهر نيسان/أبريل الماضي، وجّهت “هيئة العلاقات العامة والسياسية في البادية السورية” نداء مساعدة إلى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، الموجودة في قاعدة التنف بعد اشتداد الحصار على المخيّم.

وتحدّثت الهيئة، في بيان لها، عن أزمة الحصار الغذائية والصحّية بعد إغلاق “نقطة يونيسيف” الطبّية وحصار المخيّم من قبل النظام السوري، قائلةً فيما يخص الحوامل: “تواجه أهالي المخيم أزمة صحية إنسانية، وهي حاجة عدد من السيدات الحوامل إلى ولادة قيصرية ولا سبيل لذلك بسبب إغلاق الحدود وعدم إمكانية ذهاب السيدات لمناطق قوات النظام لأسباب أمنية، خشية الاعتقال لهن أو لأفراد عائلاتهم”.

وناشدت الهيئة الولايات المتحدة بتقديم المساعدة الفورية والإسعافية عن طريق قوات التحالف الدولي في منطقة 55 وإنقاذ حياة الأمهات والأطفال.

الولادة داخل القاعدة العسكرية

في شهر نيسان الماضي، اضطرت سيدتان سوريتان إلى التوجّه لقاعدة التنف العسكرية الأمريكية من أجل إجراء عملية ولادة قيصرية، بعد انسداد كل الطرق في وجهيهما.

وبحسب ما ذكرت صحيفة “التايمز” البريطانية، فإن الضابط الطبيب الموجود داخل القاعدة ليس متخصّصاً بالتوليد، ولا يعرف الكثير عن الأمر، لكنه قام بإجراء عمليات الولادة القيصرية بعد مناشدات من ناشطين هناك، حيث أجرى العملية الأولى بمساعدة زميل له كان يراقب العملية الجراحية من خلال الفيديو من الولايات المتحدة الأمريكية.

من جهته، يشير شكري شهاب، مدير “نقطة تدمر” الطبية التابعة لمجلس عشائر تدمر والبادية السورية، إلى وجود قابلتين متمرّستين في المخيم، رافقتا السيدتين إلى القاعدة العسكرية خلال عمليتي الولادة القيصرية.

وقال شهاب: “يوجد في المخيّم بين 30 إلى 40 ولادة شهرياً، بينها 4 ولادات قيصرية بشكلٍ وسطي، وكنا سابقاً نحوّلها إلى نقطة يونيسيف التي بدورها تنقل النساء إلى المستشفيات الأردنية”.

لا تعرف فاطمة أين تضع مولودها، بعد إغلاق السلطات الأردنية النقطة الطبّية الوحيدة الموجودة في الداخل الأردني، وتتخوّف رؤى من حاجة مولودها لحاضنة غير موجودة في إدلب، في وقتٍ علقّت تركيا استقبال “الحالات الإسعافية” من سوريا، ضمن إجراءات التصدّي للفيروس

كانت “نقطة يونيسيف” تقوم بمراقبة الحمل، وتقدم الأدوية والمتمّمات الغذائية للحوامل، إضافةً إلى نقلها المواليد المحتاجين للحاضنات والغواصات إلى المستشفيات لوضعهم هناك، بينما كانت الولادات الطبيعية ورعاية الحوامل تجري في نقطة تدمر داخل المخيّم بإشراف القابلتين الوحيدتين في المخيّم.

بدوره، يشدد شهاب على أن “نقطة تدمر” غير مثالية صحياً لكنها الوحيدة المتوفرة بسبب الظروف الحالية، لافتاً إلى مدى الضرر الذي تعرضت له الحوامل بعد إغلاق “نقطة يونيسيف”، لا سيما بسبب عدم وجود أي طبيب في المخيم الذي يحتوي على 11 ألف مدني.

ويُكمل: “حتى لو أعادت نقطة يونيسيف افتتاحها فإن دوامها اليومي كان من التاسعة صباحاً حتّى الثالثة ظهراً ولا يتم إدخال أي حالات إسعافية خارج هذا الوقت”.

وعن احتياجات المخيّم بالنسبة للحوامل والمواليد، يُبيّن شهاب وجود حاجة مُلحّة لأجهزة توليد الأوكسجين على أقل تقدير، من أجل إنعاش المواليد الذين يعانون صعوبة تنفّس وعدم الاستسلام أمام موتهم.

وعلى غرار الحصار الطبي، يواجه المخيم حصاراً شاملاً حيث يُمنع دخول المساعدات الإغاثية، الأمر الذي حرم المدنيين هناك من الخضار والفواكه والأساسيات الغذائية إضافةً للقمح والطحين الذي يأتي خلسةً عن طريق المهرّبين، وبالتالي لا تحصل النساء على كمية كافية من الغذاء، الأمر الذي يزيد احتمالية أن يكون المولود بحاجة إلى حاضنة.

وكان الرد الأردني واضحاً لناحية إعادة افتتاح “نقطة يونيسيف” الحدودية، وبحسب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، فإن بلاده لن تسمح بدخول أية مساعدات إلى المخيم من أراضيها، كما لن تسمح بدخول أي شخص من المخيم إلى الأراضي الأردنية.

وقال الصفدي، في اتصالٍ مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون: “حماية المواطنين من جائحة كورونا تشكل أولوية قصوى بالنسبة إلى الأردن”، موضحاً أن مسؤولية الركبان، أممية – سورية، كونه يضم مواطنين سوريين على أرض سورية.

وأوضح أن أية مساعدات إنسانية أو طبية يحتاجها المخيم يجب أن تأتي من الداخل السوري، مؤكداً ضرورة تكاتف الجهود الدولية لتحقيق الحل السياسي في سوريا.

المواليد الجدد في خطر

في شمالي سوريا الذي تسيطر عليه المعارضة السورية، ثمة مخاوف من نوعٍ آخر، صحيح أن هناك مستشفيات وأطباء قادرين على إجراء الولادات القيصرية والطبيعية، لكن في حال وقوع أي طارئ لصحة الوالدة أو المولود، أو حاجة الأخير للحاضنة، فإن الجميع يقف مكتوف الأيدي بانتظار المصير المحتوم.

في السابق كان المواليد الذين يحتاجون للحاضنات أو الغواصات أو أي نوع من أنواع الرعاية الطبية غير المتوفّرة شمال سوريا، يُنقلون إلى تركيا عن طريق المعابر الحدودية البرية وهي (جرابلس، باب الهوى وباب السلامة).

سجّلت تركيا أول إصابة بفيروس كورونا، في الحادي عشر من شهر آذار/ مارس الماضي، وبعد يومين فقط، أغلقت السلطات التركية معبر “باب الهوى” الحدودي أمام المدنيين، حاصرة عبوره بالشاحنات التجارية والإغاثية، إضافةً إلى الحالات الطبية الإسعافية المستعجلة، وفق بيان نشره “معبر باب الهوى”.

“أخاف من حدوث أي سيناريو يؤدي إلى حاجتي للولادة القيصرية أو حاجة المولود إلى رعاية صحية أو إلى الحاضنة، حينها سوف أموت أنا أو يموت طفلي”… حوامل سوريات في مناطق النزوح زادت أزمة كورونا من معاناتهن، مع إقفال النقاط الطبية والمعابر حدودية وغياب الأدوية والمتممات الغذائية  

بعد ستة أيام، أغلقت السلطات التركية معبري “باب السلامة” و”الراعي” بشكلٍ كامل، مع السماح بدخول الحالات الطبية المستعجلة.

غير أن ذلك لم يدم، ففي 26 آذار /مارس الماضي، أوقفت تركيا دخول “الحالات الإسعافية” أيضاً، بما في ذلك المواليد الذين يحتاجون المكوث في الحاضنات أو تحت أجهزة التنفس الاصطناعي.

يقول مسؤول العلاقات العامة في معبر باب الهوى الحدودي مازن علوش: “أوقف الجانب التركي استقبال الحالات الإسعافية، وأصبح هناك مشكلة طبّية شمال سوريا”.

بحسب البيانات الموجودة على موقع المعبر، فقد دخل إلى تركيا عام 2019 أكثر من 10 آلاف مريض عن طريق معبر باب الهوى وحده، قادمين من الشمال السوري، بينهم 3942 حالة إسعاف، من ضمنهم مواليد جدد وأمهاتهم.

المعبر التركي

وفي الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، دخلت إلى تركيا نحو 900 حالة إسعاف من المعبر ذاته، عدا عن المعابر الإضافية التي تُدخل المرضى أيضاً.

بحسب علوش، فإن تركيا تسمح بإدخال حالات إسعافية محدّدة جداً وذلك بعد مناشدات من منظمات مدنية ومن إدارة المعبر أو بعد انتشار قصّة هذه الحالات بشكلٍ واسع عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، لكن الدخول غير متاح لجميع المحتاجين حتى لو احتاجوا لعناية طبية مستعجلة.

ضعف البُنى التحتية الطبية

يشير الطبيب نزيه الغاوي إلى غياب الإحصاءات لعدد الحاضنات أو أجهزة التنفس الاصطناعي داخل سوريا، موضحاً وجود “نقص حاد ورهيب” في عدد هذه الأجهزة، وذلك من خلال متابعته قضية الحاضنات عبر “غرف تنسيق تجمع أطباء الشمال السوري”، بينما يزداد الطلب عليها بسبب كثرة حاجة المواليد لها.

وأضاف الغاوي أن المولود ما بين 28 و38 أسبوعاً يُعتبر طفلًا خديجاً، علماً أن الأطفال الخدج يحتاجون إلى الحواضن، وإلى جهاز مراقبة للنبض والأكسجة، إضافةً إلى أجهزة التنفس الاصطناعي ومراقبة انقطاع التنفس أثناء النوم والحاضنة لمنح المولود الحرارة.

وأوضح أن المواليد الذين يحتاجون للحاضنة هم الذين تكون حالتهم الصحية غير جيدة ولديهم زرقة وأنين خدجي أو صعوبة تنفّس أو سحب ضلعي، أو نقص نمو داخل الرحم.

أما الغواصة، فيحتاج إليها المولود في حال كان لديه فرط في مرض البيليروبين (أبو صفار) حيث من الممكن أن يؤدي عدم وضع الطفل المصاب بهذا المرض إلى شلل دماغي أو ضمور في الدماغ.

وأوضح الطبيب ذاته أن إغلاق المعابر كان له “تأثير كارثي” على الحوامل وحديثي الولادة شمال سوريا، لافتاً إلى أن الإغلاق كان شاملاً ولم يستثنِ الحالات الإسعافية، في ظل ارتفاع عدد المواليد الذين يحتاجون إلى نقل فوري إلى تركيا.

كما تحدث الطبيب عن الوضع الطبي لحديثي الولادة في شمال سوريا خلال كورونا، قائلًا: “بدأت الأدوية تقلّ في المنطقة، ما حرم المرضى من الحصول عليها مجاناً، كما أننا بحاجة إلى أسرّة وغرف عمليات ووحدات عناية مشددة لحديثي الولادة أو الكبار على حدٍّ سواء”.

من بين المشاكل التي أفرزتها أزمة كورونا كذلك، سوء التغذية للنساء الحوامل وقلة المتمّمات الغذائية ما ينعكس على صحة المولود.

من جهتها، حذرت الدكتورة نجوان، رئيسة قسم الأطفال في “مستشفى الأمومة” التابع لـ “الجمعية الطبّية السورية الأمريكي – سامز”، من أن “الاستمرار في إغلاق المعابر سيرفع نسبة الوفيات التي من الممكن إنقاذ حياتها في تركيا، وسيزيد نقص المعدات في المستشفيات السورية”.

حوامل المخيمات: كورونا زاد مأساتنا

ربى العلي، سيدة سورية تعيش في مخيم تل أعور للنازحين في ريف إدلب، وتتحدّث عن معاناتها كحامل داخل المخيّم في زمن كورونا.

تقول: “هناك الكثير من المخاوف لدي، لا يوجد أماكن جلوس أو نوم مريحة داخل الخيمة ولا أستطيع الحصول على الراحلة الجسدية خلال الحمل، كما لا أملك كامرأة حامل مساحة خاصة أو دورات مياه نظيفة وآمنة”، موضحةً أنه في حال انتشار الفيروس على هذا الحال فستكون كارثة.

كما تحدثت ربى عن عدم توفّر مستشفيات داخل المخيم، ما يضطر أكثر الحالات إلى الانتقال لخارجه، شاكيةً من أن الحامل وطفلها لديهما مناعة ضعيفة، وحوامل المخيّمات تقل المناعة عندهنَّ بسبب عدم توفّر الأغذية المناسبة والظروف الوقائية الصحيّة.

أما سارة الأحمد التي تعيش في مخيم فريكة في إدلب أيضاً، فتقول: “نعيش في المخيم ظروفاً قاسية، إذ لم أحصل خلال الحمل على الأغذية المناسبة التي تتناولها الحوامل في الوضع الطبيعي، وذلك بسبب توقف أعمال زوجي بعد تفشي فيروس كورونا وانقطاع دخله المادي”.

تتحدث سارة عن المخاوف من الفيروس في كل مرة ترتفع فيها حرارتها أو يضيق تنفسها وتخاف على جنينها من احتمالية الإصابة، بينما تؤثّر هذه المخاوف على صحة الحامل وجنينها، وفقاً لما تشير الطبيب المتخصصة بأمراض النسائية رؤى عباس.

“الأمر الأكثر صعوبة عدم وجود مراكز عزل وحجر صحي داخل المخيم، كما أن عدد السكان كبير، ما يجعل الخيمة غير آمنة خلال الفيروس وهو ما يقلقني باستمرار”.

وبسبب توقف عمل زوجها على إثر الفيروس، لن تتمكن سارة من الولادة في مستشفى يقدم لها الخدمات المناسبة حيث ستلد في المستشفيات العامة حسبما ذكرت، علماً أن هذه المستشفيات بعيدة عن المخيمات ما يعرّضها للمخاطر الجسدية خلال التنقل داخل وخارج المخيم.

وتابعت: “أنا لم ألد بعد ولكنني شاهدت النساء اللواتي ولدنَ داخل المخيّم، ومعاناتهن من أمراض بسبب الوضع المعيشي غير المناسب للوالدة والمولود داخل المخيم”.

عن فيروس كورونا وحملها تقول سارة: “الأمر الأكثر صعوبة عدم وجود مراكز عزل وحجر صحي داخل المخيّم، كما أن عدد السكان كبير، ما يجعل الخيمة غير آمنة خلال الفيروس وهو ما يقلقني باستمرار”.

من جهتها، تقول القابلة القانونية شذى المصطفى: “منذ بدء المخاوف من تفشي فيروس كورونا أُغلقت مراكز صحية عدة، ما انعكس سلباً على الحوامل، ولكن منذ أسبوعين وحتى الآن، أعادت بعض المراكز فتح أبوابها وعادت النساء الحوامل للتوافد عليها للحصول على الرعاية الصحية”، موضحةً أنها لا تعرف تماماً سبب تبدّد المخاوف لدى المدنيين رغم أن خطر الفيروس لا يزال قائماً حتى الآن.

وتشير المصطفى إلى أن المولود يحتاج أيضاً إلى لقاحات، لكنها توقفت لفترة خلال فترة كورونا في شمال سوريا ثم عادت بشكلٍ تدريجي، موضحةً أنه في ذروة فترة المخاوف، لم تكن الحوامل قادرات على دخول المستشفيات والمراكز الطبية إلا تحت الضرورة القصوى وضمن إجراءات التعقيم، كما أن الكثير من النساء الحوامل والمرضعات اللواتي كُنَّ يذهبن إلى المستشفيات بشكلٍ دوري للحصول على الرعاية والأدوية المجانية حُرمن من ذلك بسبب إغلاق معظم المراكز.

الخوف ثم الخوف

في شمالي شرق سوريا حيث “الإدارة الذاتية”، لم تشهد المنطقة حصاراً من أي جهة تُذكر، لكن ذلك لم ينعكس إيجاباً على النساء الحوامل.

في 23 آذار/ مارس الماضي، فرضت “الإدارة الذاتية” حظر التجوال في مناطقها، لمنع تفشّي الفيروس.

على إثر المخاوف المستمرة من الإصابة، اضطرت منى إلى إجراء عملية قيصرية للولادة خلال الجائحة، حيث بقيت تحت العلاج لنحو شهرٍ كامل بعد الولادة.

تقول منى: “خلال حملي لم أكن أعلم ما إذا كانت المستشفيات ستستقبلني أم لا، كنت أطلب من طبيبتي القدوم إلى المستشفى لمراقبة حملي لكنها كانت ترفض القدوم إذا لم يكن هناك حالة ولادة طارئة”.

عندما بدأت تشعر باقتراب الولادة، في الساعة الرابعة صباحاً، كانت تحاول تأجيل ذهابها إلى المستشفى خوفاً من الفيروس، ما أجبرها في نهاية المطاف على إجراء عملية قيصرية، حيث أخبرتها الطبيبة أن الولادة الطبيعية ستؤدي إلى ضررٍ في الجنين.

بعد مضي أسبوع على الولادة، لم تكن حالة منى بخير، حيث استمرت آلام العملية الجراحية واضطرابات ما بعد الولادة، وبعد أسبوع اتصلت بطبيبتها، فكان رقمها خارج التغطية، وعيادتها مغلقة بطبيعة الحال بسبب حظر التجوال، وعندما ساءت حالتها، تم إسعافها إلى مستشفى فرمان في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة.

في المستشفى، أجرت طبيبة أخرى الفحص عليها ليتبيّن أنها بحاجة إلى تنظيف الرحم، حيث كان الجرح ملتهباً، وحصلت على عدة أدوية، لكن بعد ثلاثة أيام لم تتحسّن حالتها، فاتصلت بالطبيبة مرة أخرى، وطلبت منها العودة إلى المستشفى رغم مخاطر الفيروس، ليتضح أن التهابات الجرح ازدادت، ولا تزال تخضع للعلاج حتى الآن بعد 16 يوماً من الولادة.

توضح منى أنه لولا الإغلاق لكان بإمكانها مراقبة الحمل وعدم الوقوع في كل هذه المشاكل.

ضعف تغذية الحوامل

كانت آخر ولادة لوئام (اسم مستعار) التي تعيش في رأس العين قبل عشر سنوات، لديها ثلاثة أولاد جميعهم وضعتهم خلال ولادات قيصرية، لكنها لم تكن تعلم أنها عندما ستحمل مرة أخرى ستمر في كل هذه الظروف.

خلال حملها، اضطرت وئام إلى النزوح من مدينة رأس العين، وفقد زوجها عمله كسائق أجرة مع بدء أزمة كورونا، بالتزامن مع انخفاض قيمة الليرة السورية وغلاء كافة السلع والبضائع في سوريا، الأمر الذي حرمها من أبسط المستلزمات الغذائية، ما أدّى في نهاية المطاف إلى ولادة ابنها مع نقص في الأوكسجين.

تقول وئام: “كنت خائفة في المستشفى، لم أستطع لمس أي شيء، ولم يأتِ أحد لزيارتي في المستشفى بسبب إجراءات الإغلاق والخوف من الفيروس”.

وتضيف أنها اضطرت إلى شرب كميات كبيرة من الشاي وتناول الخبز بعد الولادة بسبب إغلاق كافة المحال التجارية، رغم حاجة جسمها إلى الغذاء.

ما زاد تعقيد الأمر أنه بعد ولادة وئام بدقائق هزَّ انفجار عبوة ناسفة قرب المستشفى، وتقول: “بدأت بالبكاء وحاولت الركض نحو الحاضنة لآخذ طفلي وأهرب به خارج المستشفى”. 

مع اقتراب ولادتها، تتخوّف نيرمين (اسم مستعار) بدورها من مصاريف ما بعد الولادة، بسبب فقدان زوجها عمله.

تقول نيرمين: “أفكر بحليب الأطفال والحفاضات التي ارتفع سعرها بشدة، وذلك بسبب معاناتي من فقر دم يمنعني من إرضاع طفلي رضاعة طبيعية”.

وأكملت: “زوجي فقد عمله وهذا أثّر على حالتي كحامل، فلم أتناول الفاكهة منذ مدة طويلة، ولا أحصل على الرعاية الأساسية للحوامل بسبب غلاء الأسعار”.

في آخر زيارة لطبيبها قبل تطبيق حظر التجوال، أخبرها أن لديها فقر دم وأن جنينها لديه نقص في الكلس بسبب قلّة التغذية، ووصف لها بعض الأدوية، لكنها وجدت صعوبةً في تأمين ثمنها، ما زاد من معاناتها.

يُطمئن الدكتور منال محمد، الرئيس المشارك لهيئة الصحة في إقليم الجزيرة السورية، إلى أن “الفيروس لا يستطيع اختراق المشيمة، وبالتالي لا يستطيع التأثير على الجنين في أحشاء والدته”.

ويوضح أنه في مستشفيات مناطق “الإدارة الذاتية” تم تخصيص غرف للولادة الطبيعية والقيصرية خلال جائحة كورونا، لكن هذا الأمر لا ينسحب على كافة المناطق، فهناك بعض القرى لا توجد فيها مراكز اختصاصية بالولادة ومتابعة الحامل.

من جهتها، تكشف طبيبة التوليد والأمراض النسائية مروة عباس أن العيادات أُغلقت خلال فترة الحظر، وأصبحت تتابع الحمل عن طريق الهاتف وتطبيقات التواصل الاجتماعي، وهو ما يحرم الحامل من مراقبة الحمل عبر جهاز الإيكو.

وتوضح أن الجنين يأخذ من جسم الأم بعد زرعه في الرحم، لذلك فهي محتاجة إلى تركيز وتنظيم الغذاء، وهذا الأمر حُرمت منه غالبية الحوامل خلال فترة كورونا، كما أن وصولهنَّ للمستشفيات أصبح أكثر صعوبة.

وتابعت بأن الفيروس أخطر على الحامل من غيرها لأن الحمل يُضعف مناعتها، وهو ما يتم ملاحظته عند الإقياء والغثيان الذي تعاني منه النساء الحوامل بسبب نقص المناعة.

*أُنجز التحقيق بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، ونشر بالتعاون مع رصيف 22


اترك تعليقًا

التسجيل غير مطلوب



بقيامك بالتعليق فإنك تقبل سياسة الخصوصية

لا يوجد تعليقات