الموقع قيد التطوير

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit

تحقيقات استقصائية أوروبية في خمسة كتب

مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير: كثيرة هي التحقيقات الصحفية التي كشفت عن معطيات خطيرة وغيّرت مسارات الكثير من القضايا.. إذ أن جنس التحقيق الاستقصائي -مع […]

اشترك بالنشرة الشهرية

مركز الجزيرة الإعلامي للتدريب والتطوير:

كثيرة هي التحقيقات الصحفية التي كشفت عن معطيات خطيرة وغيّرت مسارات الكثير من القضايا.. إذ أن جنس التحقيق الاستقصائي -مع ما يتضمنه من صعوبة واستننزاف للوقت والجهد ودقة في العمل- يعدّ أقوى الأجناس الصحفية وأكثرها قدرة على التأثير والقيام بدور الصحافة كسلطة رابعة. كما يشكّل رقابة حقيقية لا تكتفي فقط بالرصد، بل بالكشف عن الحقائق الخفية، وضرورة أن تنعكس نتائج التحقيق على المصلحة العامة، كي لا يكون مجرد مضيعة للوقت ووصول لحقائق غير مؤثرة ولا تمسّ إلّا فئة جد ضعيفة.

وغالبا ما اتجهت أعين الصحفيين الاستقصائيين إلى الولايات المتحدة كموطن للتحقيقات الكبرى التي جعلت من الصحافة الأميركية بعبعا مخيفا للسياسيين وصناع القرار ومن يؤثرون في حياة المواطن، سيما مع التحقيق الاستقصائي حول فضيحة ووترغيت الذي أجبر الرئيس الأميركي نيكسون على الاستقالة، والذي لا يزال يُلقَّن إلى اليوم في أبجديات صحافة التحقيق، غير أن الصحافة الأوروبية لها أيضَا حظها من هذا الجنس، بل إن عددا مهما من التحقيقات وصلت إلى إصدار كتب حول قضية بعينها.

وفيما يلي، نختار خمسة من بين أشهر التحقيقات التي شهدتها القارة العجوز خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، علما أننا لا نرى أن هذه النماذج هي الأفضل على الإطلاق، فمعيار اختيارها تضمن التنويع بين البلدان وطبيعة المواضيع وحجم التأثير، كما أن بعضها تم اختياره من طرف أساتذة باحثين في قائمة مطولة نشرها موقع الشبكة العالمية لصحافة التحقيق.

“عراب الكرملين، سقوط روسيا في عصر رأسمالية المافيا”-بول كليبنيكوف-1991.

كثيرا ما قيل إن هذا الكتاب هو سبب مقتل الصحفي الأميركي-الروسي بول كليبنيكوف، وإن لم توجد دلائل مباشرة على هذا الربط، سيما وأنه قُتل تقريبا بعد مرور ثلاث سنوات على إصداره، غير أن إدارة فوربس التي كان يعمل معها أكدت أن مقتله في ظروف غامضة كان بسبب نشاطه الصحفي. وبعيدا عن قصة القتل، استطاع هذا الكتاب أن يبيّن عمليات الرشوة التي استوطنت جزءا مهما من الاقتصاد الروسي، عبر تتبع مسار رجل الأعمال بوريس بيريزوفسكي.

بيريزوفسكي، أحد أنجح رجال الأعمال الروس، امتلك معامل سيارات وشبكة من القنوات وشركة خطوط جوية وشركة نفطية، وأثر كثيرا في الحياة السياسية الروسية، حيث كان أكبر المقربين من الرئيس الروسي يلتسين، أول رئيس لروسيا الفيدرالية بعد نهاية الاتحاد السوفياتي. استطاع الصحفي بول كليبنيكوف أن يظهر عددا من الحقائق الخفية لهذه الشخصية، وذلك بعد عمل مضنٍ ارتكز على مئات التسجيلات مع رجال أعمال وسياسيين ومصادر بوليسية.

التحقيق بيّن كيف استعمل بيريزوفسكي وسائل غير شرعية في دعم الرئيس يلتسين إبّان الحملة الانتخابية الثانية عام 1996، وكيف دخلت روسيا بعد نهاية الاتحاد السوفياتي في شبكة معقدة من التداخل بين السياسي والاقتصادي والمافيات، وكيف كان بيريزوفسكي، الجزء الواضح من جبل من الجليد يحكم روسيا. قوة التحقيق أنه يصلح كوثيقة تاريخية للبدايات المشوّهة للرأسمالية في روسيا، خصوصا وأن بيريزوفسكي، وجد ميتًا هو الآخر في ظروف غامضة عام 2013، في استمرار لمسلسل التشويق الذي طبع قصص رجال الأعمال الروس.

“الكنزة الحمراء” – جيل بيرو 1978

يعدّ الفرنسي جيل بيرو واحدًا من أشهر أبناء جيله في المغرب سيما وأن اسمه طبع أشهر تحقيق استقصائي عن المغرب خلال سنوات الرصاص، وهو التحقيق الذي يحمل عنوان “صديقنا الملك”، ولا يزال ممنوعا لحد الآن من دخول المغرب. بيدَ أن أعمال هذا الصحفي لم تنحصر عند هذا الحد، فالفرنسيون يعرفونه كذلك بكتاب “الكنزة الحمراء”، التحقيق الاستقصائي الذي ركزّ على ما عُرف بقضية: كريستيان رانوسي.

تعود هذه القضية إلى رجلٍ يحمل الاسم ذاته اتهم بقتل طفلة صغيرة عام 1974، وأُعدِم بعد ذلك بعامين في واحد من آخر وقائع تنفيذ الإعدام في فرنسا. تحقيق جيل بيرو الذي صدر بعد إعدام المتهم حاول أن يدفع في اتجاه براءته، وانطلق من فرضية أن الكنزة الحمراء التي وُجدت في موقع الجريمة، ونُسبت إلى المتهم لا تعود له بل لشخص آخر ارتكب جرائم اعتداء جنسي، مقدما الكثير من الأدلة في هذا الصدد.

لم ينجح التحقيق في التأكيد -بشكل رسمي- على براءة رانوسي من القتل، وعرف انتقادات كبيرة من الصحافة الفرنسية التي واكبت الملف، غير أن التحقيق نجح في فتح نقاش مطوّل حول إمكانية خطأ القضاء، وكان هذا النقاش من الأسباب التي أدت إلى إلغاء هذه العقوبة، وخصوصا مع فرضية أن الخطأ القضائي يكون غير قابل للتصحيح عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ الإعدام.

كما أن هذا التحقيق، تحوّل إلى فيلم يحمل الاسم ذاته، وما زال حتى اليوم يثير أسئلة حول هذه القضية: هل كان رانوسي هو قاتل الطفلى الحقيقي؟ أم أنه راح ضحية قسوة فرنسية في التعامل مع شبهات اختطاف وقتل الأطفال؟

“فضيحة الدم “- آن ماري كاستري 1992

نبقى مع الصحافة الفرنسية، مع فضيحة الدم الملوث التي تفجرت عام 1991إثر مقال للصحفية والطبيبة آن ماري كاستري، كشفت فيه أن عمليات نقل الدم في فرنسا ما بين عامي 1984 و1985، شهدت نقل عينات ملوّثة بفيروس فقدان المناعة المكتسبة، وتعمّقت الصحفية أكثر في القضية عام 1992عندما نشرت كتاب “فضيحة الدم” التي بيّنت فيه كيف أن عدة مسؤولين كانوا على علم بفرضية وجود فيروس الإيدز الذي ظهر بداية خلال تلك السنوات.

ما كشفت عنه كاستري يعدّ واحدا من أخطر الملفات في تاريخ الصحافة العالمية، وذلك لأن الدم الملوّث الذي كان ينقله مركز نقل الدم الفرنسي بموافقة من وزارة الصحة الفرنسية، ولم يتوقف عند حدود فرنسا، بل وصل إلى عدة دول خارجها، ومنها دول عربية كالعراق الذي استورد عام 1986 حوالي 500 قارورة دم من فرنسا، وما زال يثير الجدل كما وقع هذا العام عند زيارة وزير الخارجية لوران فابيوس لإيران، بسبب شكوك إيرانية في إصابة بعض المواطنين بالفيروس بسبب الدم الفرنسي.

الأمر الذي أدى إلى وقوف كل من رئيس الوزراء الفرنسي في ذلك الوقت لوران فابيوس ووزيرة الشؤون الاجتماعية جورجينا دوفوا ووزير الصحة هنري إيرفي أمام المحكمة، لكن الثلاثة نالوا البراءة في حكم أثار انتقادات واسعة، كما حوكم عدد من الأطباء وعوقبوا بالسجن في هذا الملف. ورغم وفاة كاستري عام 2006، إلّا أن الصحافة الفرنسية لا تزال إلى الآن تشهد لها بعمل استقصائي قوّي، ساهمت فيها خلفيتها الطبية.

“الطريدة المناسبة: سقوط بنك إ.ب.إن أمرو” – جيرون سميث 2010

يعدّ التحقيق الذي قام به جيرون سميث، الصحفي الهولندي، أحد أشهر الأعمال الصحفية الاقتصادية في أوربا خلال الأعوام الماضية، حيث ركز سميث على قصة بنك “إ.ب.إن أمرو”، أحد أشهر البنوك في هولندا، وكيف تم امتصاصه عام 2007 من طرف مجموعات بنكية في صفقة اعتبرت أشهر صفقة في العالم المصرفي الأوروبي، غير أن الامتصاص كان بمثابة “سم” كما جاء في كتاب الصحفي.

صفقة شراء بنك “إ.ب.إن أمرو” من طرف مجموعة بنوك “فورتيس” و”بانكو سانتاندر” و”البنك الملكي الاسكتلندي”، تزامنت مع الأزمة الاقتصادية الدولية التي جعلت البنوك الثلاثة يعانون من سيولة مالية واضحة في تأمين عملية الشراء، الأمر الذي دفع الحكومة الهولندية إلى التدخل، حيث قامت بتأميم بنك “إ.ب.إن أمرو”، ممّا قلب الموازين، وأضحت البنوك الثلاثة التي دخلت في عملية الشراء، في وضع صعب، سيما البنك الاسكتلندي.

التحقيق ركز على مقابلات ووثائق وتسجيلات لأسباب القيام بهذه الصفقة، ثم أسباب فشلها في ظرف وجيز، مع ما تتبع ذلك من خسائر كبيرة ومشاحنات بين أطراف الصفقة وصلت حد القضاء. صدر هذا التحقيق عاما بعد إعادة بناء”إ.ب.إن أمرو”، ولم يتوقف فقط عند الصفقة في حد ذاتها، بل وطّن للاختلافات بين البنوك الثلاثة، وعاد إلى قصة البنك الهولندي وكيف كان يلعب دورا في اقتصاد بلاده، كما يقدم بعضَا من أسباب استفحال الأزمة الاقتصادية التي اجتاحت العالم عام 2008.

“إنهن فاتنات.. سيدي” – كريس دوو ستوب 1992

قضى الصحفي البلجيكي كريس دوو ستوب، عاما كاملًا من حياته متخفيا في نوادي الجنس بأوروبا، لأجل الكشف عمّا يجري هناك من استعباد للبشر، ليصل إلى أسرار خطيرة، أجملها في كتابه “إنهن فاتنات.. سيدي” الصادر عام 1992 حيث خلق ضجة واسعة وأدى إلى تعديل عدد من قوانين العمالة في هولندا وبلجيكا، وأدى إلى فتح تحقيق برلماني على مستوى بلجيكا، وكان أحد المصادر الأساسية في وثائقي لقناة “بي بي سي” يحمل اسم “تجارة النساء”.

قوة التحقيق الذي أصدره كريس دوو ستوب في كتابه الصادر باللغة الهولندية، والذي ترجم إلى لغات عديدة منها الإنجليزية والفرنسية، أن دوو ستوب زار العديد من الدول داخل وخارج أوروبا، حيث اكتشف أن من أهم الأسواق التي تزود أوروبا بالرقيق الأبيض هناك غانا والفلبيين، وأن هناك رجال أعمال نافذين في بلجيكا وهولندا متورطين في هذا الاستعباد.

ولم يتوقف التحقيق عند هذا الحد، بل أصدر ستووب كتابا آخر عام 2003 تحت عنوان “فتيات الشرق”، تركز حول التجارة الجنسية في بلدان أوروبا الشرقية. ظهر هذا الكتاب على أنه رواية أكثر من تحقيق استقصائي، ووصفه النقاد بأنه كان نقدا ذاتيا من الصحفي حول ما غفل عنه من أسباب مادية تدفع ببعض الفتيات إلى قبول هذه التجارة.

اسماعيل عزام

اترك تعليقًا

التسجيل غير مطلوب



بقيامك بالتعليق فإنك تقبل سياسة الخصوصية

لا يوجد تعليقات