يوميات الصحافي إيهاب زيدان عن تحقيق “زوجة مؤقتة”
كتب: إيهاب زيدان
بدأت فكرة التحقيق بعد حديثٍ مستفيض مع أحد أصدقائي عن عدة موضوعات متفرقة، جاء بينها أوضاع اللاجئين السوريين في مصر بشكل عام، فبحتُ عن موضوع كنت قد سمعت عنه يتعلّق بانتهاك منظم بحق السوريات في مصر، حيث يقوم رجال مصريون بالزواج منهنَّ بعقود غير موثّقة لفترات محدودة ثم يقوموا بتطليقهنَّ دون منحهنَّ أي حقوق.
عرضتُ الفكرة على فريق “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج” الذي أبدى حماسًا كبيرًا للعمل على القصة، وطورت الفرضية مع إدارة التحرير في الوحدة، وأضفنا بعض الزوايا الجديدة للتحقيق واضطررنا للاستغناء عن كثير من التفاصيل والزوايا كي لا نتفرع كثيرًا بعيدًا عن الموضوع الأساسي.
سلط التحقيق الضوء على أزمة الزواج غير الموثق (العرفي)، والأضرار الواقعة على اللاجئات جراء هذا الزواج، والتي تتنوع بين فقد المعيل والمسكن معًا وإنكار نسب الأولاد في حالات كثيرة، علاوة على ضياع جميع حقوق الزوجة المادية والأدبية والقانونية، إضافة أن بعض الحالات فقدنَ جزء من مدخراتهنَّ وأموالهنَّ التي تحصل عليها من الزواج إما بخداع الزوجة أو بإجبارها.
أحصى التحقيق استغلال رجال مصريين لأكثر من 1200 لاجئة سورية عبر الزواج منهنَّ لفترات محدودة دون أي حقوق، من اجل المتعة فقط، وتناول تفصيليًا قصص 6 سيدات عانين من (الزواج العرفي)، ووقعن في شباكه لأسباب عدة، تنوعت بين عدم وجود ما يثبت الحالة الاجتماعية للسيدات إما لظروف الحرب في سوريا أو عدم وجود خدمات فعلية في بعض المحافظات أو صعوبة استخراج الأوراق لهن في سوريا بسبب التهجير أو عدم امتلاك النساء مالًا كافيًا لاستخراج تلك الأوراق من السفارة السورية، التي تفرض رسومًا مرتفعة لاستخراج الوثائق، أو تعديل البيانات، فيجد اللاجئين أنفسهم مطالبين بالدفع مقابل كل قصاصة يحصلن عليها من السفارة السورية.
الحالة المادية السيئة التي يعاني منها اللاجئين السوريين بشكل عام، والنساء بشكل خاص يدفعهن للزواج من أجل توفير معيل ومكان يقمنَ فيه، إضافة لصعوبة استخراج الإقامات والأوراق القانونية للاجئين في مصر، والمغالاة في غرامات التأخير المفروضة عليهن.
ويكشف التحقيق أيضا عن تراخي يسيطر على مفوضية شؤون اللاجئين في مصر، إذ أنها تسند قضايا بعض اللاجئين إلى محامين غير أكفاء قليلي الخبرة، وهكذا تقع بعض السيدات ضحايا محامين غير أكفاء يعملون على قضاياهن ما يبدد حقوقهن، فيقول أحد المحامين إن 70% من القضايا التي عمل عليها كان هو المحامي الثاني فيها، بعد فشل المحامي الأول في الحصول على حق الزوجة، إضافةً إلى عجز منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية المصرية والسورية عن إنقاذ هؤلاء اللاجئات من الوقوع في فخ (الزواج العرفي).
واجهتُ خلال التحقيق عدة صعوبات أهمها تكتم السوريين والسوريات على القضية بشكل كبير، ومحاولة إخفاءها خوفًا على صورة السوريين والسوريات من التشويه (وفقا لبعضهم)، خاصة من بعض الحقوقيين والنشطاء السوريين.
أما المخاطر فتنوعت بين تهديد ووعيد من اثنين من أزواج سيدتين سوريتين.
اكتست الصعوبات السابقة بمحاولات لا متناهية من أجل التواصل مع بعض الضحايا، أو النشطاء والحقوقيين السوريين على السواء، إضافة لمحاولات لا نهائية لمقابلة الضحايا.
التحقيق رسخ لدي مبدأ المرونة وأن هناك عدة سبل لإثبات شيءٍ واحدٍ، إضافة لاكتساب خبرة كبيرة، واكتشاف قصص جديدة بحاجة لأن تروى في المستقبل.
ونصيحتي لكل من يقدم على إجراء تحقيق يتعلق بأوضاع اللاجئين أو المهاجرين، هو الاتصال مع الجهات الوسيطة التي تقدم لهم المساعدة، إضافة لمقابلة بعض العناصر ذات الثقة بينهم، وأن يلجأ لأطراف موثوقين كي يسهّلوا لهم تلك المقابلات، والاعتماد على توصية آخرين ذوي ثقة لدى هؤلاء الضحايا، لتخطي حاجز الخوف والتوجس لديهم، وأخيرًا البحث في التفاصيل، فدائمًا الشيطان يكمن في التفاصيل.