كيف تنشئ فريق صحافة بيانات
شبكة صحفيي البيانات العرب: منذ خمسة أعوام، كان يُنظر إلى الصحفيين الذين يستخدمون قواعد البيانات أو يستعينون بقراصنة إنترنت ومبرمجين باعتبارهم مهووسين، أما الآن فقد اختلف محيط العمل؛ أصبحنا على دراية بقصص فساد حقيقية مثل وثائق بنما التي أكدت وجود اتحاد بين الصحفيين والتكنولوجيا، كذلك فإن منح جائزة بوليترز للتحقيق الذي كشف الجانب المظلم للصناعة الخارجية عام ٢٠١٧ هو اعتراف بالهزة والتأثير الذي أحدثته هذه الطريقة الجديدة من العمل.
توجد فجوة كبيرة بين التكنولوجيا والصحافة في أمريكا اللاتينية وأواسط أمريكا، ومع ذلك فإن ثمانية مؤسسات إعلامية عريقة وستة مواقع رقمية قومية قد أنشأت فرق صحافة بيانات، اقتداءً بتجارب نيويورك تايمز، والجارديان، وProPublica، ولوس أنجلوس تايمز.
إنني مؤسسة مشاركة في أحد تلك المواقع؛ Ojo Público، وهو موقع إعلامي رقمي يشمل ستة صحفيين واثنين من المطورين المتخصصين في صحافة البيانات، وقد تلقى موضوعنا “ذاكرة منهوبة“، وهو تحقيق إقليمي استخدم بيانات ضخمة لتقديم دليل على مقدار تهريب السلع الثقافية في أمريكا اللاتينية باعتبار الأمر جريمة منظمة، جائزة أمريكا اللاتينية للصحافة الاستقصائية عام ٢٠١٦.
تتميز كافة وحدات صحافة البيانات المذكورة بخصائص متميزة، تتعلق بحجم الفريق والنمط وديناميكيات العمل، وخلال فترة زمنية قصيرة تمكنوا من الكشف عن أشياء صادمة وتم الاعتراف بهم بحصولهم على “جوائز صحافة البيانات” المرموقة التي تقدمها شبكة المحررين الدوليين للقصص، المدعومة بالبيانات، الأكثر ابتكارًا.
توجد هذه الفرق في الأرجنتين، وبيرو، وكوستاريكا، وكولومبيا، والبرازيل، والمكسيك، وشيلي، وقد تشرفت بلقاء مجموعة متنوعة من أفرادها وتعرفت على تجاربهم، التي منحتني نظرة متعمقة داخل المواصفات الأساسية التي ربما تكون مفيدة لصحفيين آخرين وتقنيين يسعون إلى السير على دربهم.
١- الحجم أمر نسبي
قال ريكاردو بروم، رئيس معلوماتية البيانات في الصحيفة الأرجنتينية La Nación، إن “أحد العوامل الرئيسية لنجاح فريق صحافة البيانات هو تنوع أفراده”.
ترك بروم، الذي كان مهندس كهرباء بالتمرين، وظيفته مديرًا للخدمات التكنولوجية في الصحيفة بداية من عام ٢٠١١ ليصبح العقل المفكر وراء التكويد في La Nación Data؛ قسم صحافة البيانات في الجريدة التي أصبحت الأكثر احترامًا من نوعها في المنطقة.
يتكون الفريق من صحفي تنسيق لديه مهارات إدارة قاعدة بيانات، وصحفي خبير في القوانين المتعلقة بكيفية الوصول إلى المعلومات، ومبرمجين اثنين، ومحلل بيانات، ومصمم مسؤول عن تصميم البيانات، ويعمل جميعهم على مشروعات خاصة متوسطة وطويلة المدى، إلا أنهم يساهمون أيضًا في مساعدة العديد من الصحفيين المتواجدين في أقسام مختلفة بغرفة الأخبار الذين يطلبون المساعدة.
تم إعطاء فريق La Nación Data دورًا متميزًا في التحقيقات التي تقوم بها الصحيفة، إلا أن هذا لا يعني أن الفرق الضخمة هي فقط من تستطيع إنتاج قصص ذات تأثير باستخدام قواعد البيانات، إذ إن تجربة المواقع الإعلامية الرقمية الصغيرة مثل Ojo Público وConvoca في بيرو، التي فاز فريقاها في “جوائز صحافة البيانات”، تُظهر إمكانية إنتاج فريق صغير لعمل ممتاز، إلَّا أن الأمر يعتمد أيضًا على مدى إدماج الصحفيين لمطور لديه معرفة كافية بلغات البرمجة لإدارة قواعد البيانات في غرفهم الإخبارية.
٢- المطورون
في مجال تطوير المواقع، يوجد محترفون وآخرون قاموا بتعليم أنفسهم معارف متشعبة في البرمجة الحاسوبية، إلَّا أن فرق صحافة البيانات تحتاج إلى نوعين من المطورين؛ الأول: مطور back-end، الذي يعمل على الخادم ويدير قاعدة البيانات، الثاني: مطور front-end المسؤول عن الجزء البصري في المنصة.
إذا كان من الممكن فقط الاعتماد على واحد فقط من الاثنين، فيجب العثور على مطور back-end وإدماجه في الفريق.
المهام الوظيفية لكل منهما:
1- مطور الـback-end يكون مسؤولًا عن برمجة عناصر مختلفة في الموقع وإدارة قواعد البيانات، يجب أن يكون على معرفة بلغات برمجة مثل جافا، PHP، وروبي، وبايثون، بالإضافة إلى برامج إدارة قواعد البيانات مثل MySQL، وPostgres، وSQL Server، وMongoDB، فضلًا عن معرفة بالأمان الرقمي لمنع الهجمات على الخادم.
2- مطور الـfront-end يبني كودًا لكافة العناصر البصرية للموقع، ويجب أن يكون على معرفة بثلاث لغات برمجة؛ الأولى: HTML (لغة تعيين النصوص التشعبية)، التي تتيح هيكل جميع منصات الشبكة، الثانية: CSS (صفحات الأنماط الانسيابية)، التي تنظم العرض والمظهر (الألوان، الأنواع، أحجام الخطوط)، والثالثة: جافا سكربت، الذي يقدم العنصر التفاعلي (الرسوم المتحركة، الأزرار، النوافذ على الصفحة).
٣- العقلية الجديدة للصحافة
تعلم استخدام الأدوات الرقمية الأكثر تعقيدًا ليس التحدي الأساسي للصحفيين العاملين في فرق صحافة بيانات، وإنما التفكير بشكل مختلف في الأمور التي ينبغي البحث فيها من أجل خلق طرق جديدة لطلب المعلومات والبحث عنها، وكذلك لوضع فرضيات وطرق عمل.
كان الصحفيون يركزون على اكتشاف قضايا ذات صلة في الصحافة التقليدية، بينما تتطلب صحافة البيانات البحث عن نماذج واتجاهات وظاهرة يمكن الوقوف عليها، إذ تحولت الوظيفة من نشاط فردي إلى فريق عمل يقدم، بمساعدة التكنولوجيا، معادلات صحيحة ومصادر معنية يتم استخدامها في طرح تساؤلات بشأن قواعد البيانات في وقت قصير، وإيجاد قرائن أو دلائل لم يكن يمكن تصورها.
٤- روح جماعية ومساحة متكاملة
يجب أن يكون لدى كل أفراد الفريق معرفة متعمقة بخلفية المشروع الذي يعملون به، أو مهارات بحثية من أجل المساهمة في الفريق، إذ إن كل فرد في الفريق لديه دور واضح، إلَّا أن ذلك لا يعني أنهم محصورون في المهام المطلوبة منهم، فيجب أن يكونوا قادرين على المساهمة بأفكار وحلول خلال فترة تنفيذ التقرير، ويمكن أن تشمل هذه المعرفة الطرق الأفضل لجمع أو استخراج المعلومات، وطرق اختبار البيانات والتأكد منها وبدائل لتقديم المعلومات للقراء والمستخدمين بأكثر الطرق الممكنة وضوحًا.
يتطلب هذا المدخل من المجموعة أن تتواصل في نفس المساحة حتى يتعلم الصحفيون التواصل بلغة المبرمجين بسهولة من أجل التعامل مع البيانات الضخمة، بدورهم سيتعلم المبرمجون التفكير مثل الصحفيين عندما يخلقون أكوادًا لنقل أو تحليل جبل معلومات من أجل فهم أفضل.
في المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل الجارديان ونيويورك تايمز، توجد فرق صحافة بيانات داخل غرف الأخبار التي تعمل عن قرب مع المحررين والصحفيين من مناطق أخرى، وفي وسائط الإعلام الرقمي الصغيرة المتخصصة في التحقيقات الصحفية باستخدام بيانات ضخمة، مثل Ojo Público، فإن غرف الأخبار تكون مصممة مثل فرق صحافة بيانات.
٥- أدوات العمل الأساسية
أيًّا كان نوع المعلومات التي سيحصل عليها أفراد الفريق، سيكون من الضروري معرفة كيفية استخدام spreadsheet، وبالإضافة إلى ذلك ينبغي أن يتضمن صندوق الأدوات الأساسي برنامجًا لتنظيف وتوحيد البيانات مثل Open Refine وأدوات لخلق تصميمات بسيطة مثل Infogr.am وTableau وأدوات أخرى أكثر تعقيدًا مثل D3.js، وهي مكتبة JavaScript تسمح بتنوع في التصميمات التفاعلية.
بالنسبة إلى المشروعات التي تتضمن إدارة قواعد بيانات ضخمة، مثل تسريبات الصناعات الخارجية أو بنما، فستكون هناك حاجة إلى برامج أكثر تقدمًا مثل Neo4j، الذي يسمح بالتمييز بين كميات ضخمة من البيانات ويظهرهم في تصميمات من عقد وحواف، لتصبح قراءة العلاقات بين نقاط بيانية مختلفة أكثر تلقائية، وفي هذه الحالة سيكون من المحتم أن يساهم مطورو الشبكات بآرائهم.
٦- العنصر البصري
غالبًا، تكون النتائج التي تم التوصل إليها أو الأخبار التي تم الحصول عليها من قاعدة بيانات أو أكثر بحاجة إلى أن تُعرض في لغة أخرى غير اللغة النصية، حتى تكون مفهومة بشكل أكبر، على سبيل المثال: تصميمات ثابتة أو تفاعلية يكون غرضها الأساسي الوضوح والشمول، وليس إضفاء قيمة جمالية.
كما شرحنا سلفًا، فإن فريق صحافة البيانات يتكون من صحفيين على معرفة بكيفية استخدام أدوات بسيطة لتنفيذ تصميمات، وينبغي أن يكون المطور أو المطورون قادرين على ابتكار كود أو إعادة استخدام أي أداة بصرية للتوصل إلى طرق مبتكرة لعرض قصصهم.
وينبغي أن تحتوي مكتبة المجموعة على كتابين أساسيين، هما: Facts are Sacred بقلم سايمون روجرز، وThe Functional Art بقلم ألبرتو كايرو.
٧- تدريبات مستمرة
البقاء مطلعًا على ما هو متاح من أدوات رقمية حديثة وعلى الطرق الأكثر إبداعًا التي يستخدم بها الأفراد التكنولوجيا من أجل تحسين البحث الصحفي والتدريب والاستكشاف المستمر هو جزء من الروتين اليومي للفريق، فمتابعة المدونات المعنية بالبيانات، مثل تلك الموجودة في الجارديان وLa Nación Data وProPublica هي مسألة ضرورية بقدر المشاركة في اجتماعات مبرمجي الحاسب والدورات التدريبية على الإنترنت وورش العمل المحلية والدولية.
٨- دمج المجتمع المحلي
توجد منظمات متعددة عبر العالم تعزز الاستخدام الأفضل للتكنولوجيا في الصحافة، وأن تكون جزءًا من هذه المنظمات من الممكن أن يحسن تبادل المعلومات والتشابك وتقدير الموهبة والاتجاهات العالمية الأخيرة في صحافة البيانات.
توجد ثلاث منظمات بارزة في مجالهم:
1- Hacks/Hackers بفروع في أكثر من ٩٠ بلدًا.
2- شبكة المحررين الدوليين التي تضم ١٣٠٠ عضو وتقدم “جوائز صحافة البيانات”.
3- Investigative Reporters and Editors، التي دعمت المعهد الوطني للصحافة بمساعدة الكمبيوتر منذ عام ١٩٩٤، وتعقد قمة سنوية في الولايات المتحدة تضم خبراء في العمل الصحفي بمساعدة الحاسب.
٩- طريقة شفافة
أحد الخصائص التي يقدرها القراء، والتي يمكن لفرق الأخبار توفيرها في صحافة البيانات، هي الشفافية، إذ تشرح أغلب فرق صحافة البيانات، بعد نشر ما تم التوصل إليه من نتائج، كيف تم تنفيذ البحث؛ أي نماذج أو معايير إحصائية تم تطبيقها وكذلك أوجه القصور في القصة.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الفرق تنشر قواعد البيانات التي استخدموها في منصاتهم على GitHub ليعاد استخدامها من قِبل صحفيين آخرين أو أشخاص مهتمين باكتشاف الموضوع.
يجب أن نتذكر أيضًا أن أحد المزايا الرائعة للعمل مع المبرمجين هي المعالجة الآلية لعمليات متعددة، مثل: استخراج بيانات عمومية من مواقع حكومية لبناء قواعد بيانات كانت موجودة سابقًا في مئات أو آلاف الوثائق بصيغ PDF أو JPG، إذ تكون ممارسة مجتمعية مقبولة أن يتم نشر كافة المعلومات ذات الشأن العام بعد انتهاء الفريق من استخدام الوثائق.
١٠- المحور الأساسي
تتيح الطريقة التي تعمل بها فرق صحافة البيانات تصميم التحقيقات في موضوعات متنوعة بمحاور أساسية ومبتكرة، بدءًا من كيفية إظهار أن شيئًا ما حقيقي، إلى سرد يقدم ما تم التوصل إليه من نتائج.
على سيبل المثال: كيف نشرح تأثير سياسات الشركات الخاصة على صحة المواطنين؟ من خلال هذه المنصة، تكون قادرًا على معرفة إذا كانت شكوى إهمال وظيفي مقدمة ضد طبيبك أو العيادة التي تفضلها لم يتم البت فيها، ومن يقف وراء هذا الأمر؟ كيف نشرح تأثير تهريب قطع التراث الثقافي في المنطقة؟ يتتبع تحقيق “ذاكرة منهوبة” مليوني نقطة بيانات ويجمع بين البحث وقواعد بيانات العناصر المسروقة حول العالم وكافة الوثائق الرسمية المتاحة.
نحن على الطريق إلى نقطة من المرجح أن نكون قادرين عندها على توحيد المنهجيات الصارمة (الصحافة والتكويد) لتوسيع الحدود التي تقف عندها الصحافة.
هذه المقالة نشرت للمرة الأولى في مدونة “الصحافة في الأمريكتين” وتم إعادة نشرها بعد الحصول على موافقة المؤلف. تحتوي على مقتطفات من كتاب الصحافة المبتكرة في أمريكا اللاتينية، الذي نشره مركز نايت للصحافة في الأمريكتين، بمساعدة برنامج مؤسسات المجتمع المفتوح على الصحافة المستقلة. وترجمت إلى اللغة العربية كمشروع تعاوني بين الشبكة العالمية للصحافة والصحافة العربية وشبكة صحفيي البيانات العرب.
الرابط كما ورد من المصدر: هنا