قواعد التخفي في التحقيقات الاستقصائية
موقع الصوت الحر/ علياء أبو شهبا
الأصل في ممارسة مهنة الصحافة أن يقوم الصحفي بتعريف نفسه للمصدر وذكر اسمه والمؤسسة الصحفية التي يعمل لصالحها ويتأكد من رغبة المصدر في التعاون معه والحصول على موافقته قبل تسجيل الحوار لأن التسجيل بدون علم المصدر جنحه يعاقب عليها القانون ووفقا للمادة 309 مكرر من قانون العقوبات فإنه يعاقب بالحبس مدة لاتزيد علي سنة كل من اعتدي علي حرمة الحياة الخاصة للمواطن وقام بتسجيل محادثة جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون وذلك في غير الاحوال المصرح بها قانوناً أو بغير رضا المجني عليه.
لكن ماذا عن التخفي وهو التكنيك الذي يمكن أن يلجأ إليه الصحفي عند العمل على التحقيقات الاستقصائية من أجل إثبات حدوث فساد في منظومة ما يحتاج إثباته إلى التخفي؛ وهو أمر يثير دائما الكثير من الجدل حول مدى أخلاقية وقانونية التحقيقات السرية أو المستترة.
أخلاقيات الصحافة الاستقصائية
في البداية نستعرض مبادئ وأخلاقيات الصحافة الاستقصائية وفقا لما جاء في دليل أريج للصحافة العربية الاستقصائية “على درب الحقيقة” وتتمثل فيما يلي:
1- لا تكذب
2- لا تسرق (وثائق من مكتب موظف أو مسؤول)
3- لا تنتحل شخصية غير أنك صحفي؛ بأن تدعي أنك موظف أو تاجر أو غير ذلك، إلا أن هناك بعض المؤسسات الصحفية تجيز ذلك بوصفه حل أخير إذا لم تكن هناك وسيلة أقل ضررا للحصول على المعلومات.
4- لا تدفع أي أموال مقابل الحصول على معلومات خاصة من الموظفين العموميين؛ فقد يعتبر ذلك رشوة بالقانون.
5- لا تصور أو تسجل بدون إذن أو تتجسس على مراسلات الأخرين، ولكن في حالات خاصة ربما يضطر الصحفي إلى التصوير أو التسجيل بدون إذن؛ بشرط استنفاذ الطرق الأقل ضررا للحصول على معلومات.
كيفية إتخاذ قرارات أخلاقية
نظرا لخطورة التخفي أو العمل في تحقيقات سرية ومستترة؛ وهو أمر إذا تم يكون في نطاق ضيق، وكثير من الصحفيين يشعرون بالشغف وحب المغامرة ويقبلون على التخفي، وقبل إتخاذ هذا القرار نوضح خمس خطوات ضرورية عندما يتصدى الصحفى لإتخاذ قرارات أخلاقية:
1) ما هي مهمتي الصحفية؟
2) ما هو شعوري إذا حدث لي أو للمقربين مني مثل ما يحدث من مخالفة أقوم برصدها في التحقيق؟
3) ما هي البدائل؟
4) ما هي العواقب المحتملة؟
5) هل يمكن الدفاع عن القصة أو الصورة بعد النشر؟
أشهر أمثلة التخفي
Undercover investigations ” أو التحقيقات السرية أو المستترة نوع من التحقيقات يثير دوما الكثير من الجدل، إلا أنه الأكثر جاذبية بالنسبة للقراء والمشاهدين، وهو محظور قانونا في بعض الدول.
“نيللي بلاي” هو الاسم المستعار لصحفية استقصائية أمريكية اسمها “إليزابيث جين كوشران” إدعت الجنون عام 1887 من أجل دخول مصحة للعلاج النفسي في نيويورك لتوثيق وكشف سوء معاملة المرضى، ونشرت القصة بعنوان :”10 أيام في مستشفى المجانين“
من أشهر التجارب الصحفية المصرية القائمة على التخفي تجربة قام بها الصحفي هشام علام في جريدة المصري اليوم عندما قام بمغامرة صحفية في مستشفى القصر العيني تفقد فيها المرضي منتحلا صفة طبيب لكشف القصور الأمني والإداري في المستشفى، ونشرت تحت عنوان:” المصري اليوم في مغامرة داخل مستشفى القصر العيني“
وأثارت الكثير من الجدل بسبب انتحال صفة طبيب وهو ما يخالف القانون، لكن الرأي العام حينها توجه إلى ضرورة إصلاح الخلل الإداري في المستشفى.
ومن أشهر التحقيقات المستترة أيضا الذي أجرته الصحفية الأردنية حنان خندقجي بعنوان :” اعتداءات جسدية ولفظية على أشخاص ذوي إعاقة داخل دور رعاية خاصة” وفيه تطوعت خندقجي في دور رعاية الأطفال ذوي الإعاقة وكشفت عن الاعتداءات التي تتم وأثار التحقيق رد فعل قوي؛ ومقاضاة إحدى هذه المراكز لمحررة التحقيق، وتدخل الملك عبدالله الثاني بن الحسين ملك الأردن لإغلاق المراكز المخالفة.
المخادعة
من أشهر الحالات التي تضمنها الكتيب التعليمي للمركز الدولى للحصفيين بشأن أخلاقيات الصحافة، ما قامت به مؤسسة إعلامية فى جنوب شرق آسيا لجمع أدلة ضد مسئولين فاسدين. فقد قام مراسلون لموقع إخباري بالتنكر فى هيئة رجال أعمال يمثلون شركة وهمية، وكان هدفهم توثيق شبهة فساد فى مشتريات السلاح.
وعلى مدار شهور، قدم المراسلون منتحلو صفة رجال أعمال رشاوى مالية وجنسية للمسؤولين فى وزارة الدفاع، وقاموا بتوثيق تحقيقهم الاستقصائى من خلال تصويره بالفيديو، وهو ما أدى إلى توالي الإستقالات وصلت لوزير الدفاع شخصيا وكانت فضيحة فى تلك الدولة؛ وهو ما قدم نموذجا حيا للمواطنيين على الفساد فى أعلى المستويات، وكيفية مكافحته.
حالة عالمية أخري لصحفي أجنبي أراد دخول العراق خلال الأيام التي سبقت الغزو فسجل نفسه ضمن الدروع البشرية الدولية التي دخلت لحماية المنشآت.
محددات العمل
قبل إتخاذ المحقق الاستقصائي القرار بالتخفي والعمل في تحقيق مستتر عليه طرح مجموعة من التساؤلات والإجابة عنها بدقة، لأن التخفي ينبغي أن يكون في أضيق الحدود ويكون استثناء.
التخفي بصفة عامة وسيلة غير أخلاقية وقد تؤدي إلى تعاطف القراء أو المشاهدين مع الشخص موضع التحقيق لذلك لابد من التفكير الجيد قبل استخدام هذا الأسلوب، لأن العمل تحت غطاء يستلزم ضرورات محددة ينبغي مراعاتها.
ومن الأسئلة التي يجب أن يبحثها الصحفي جيدا:
1- هل استنفذ الصحفي كل الوسائل المتاحه للوصول إلى المعلومات وتقصيها.
2- هل الصحفي على معرفة تامة بالقانون، للتأكد من عدم مخالفته له.
3- هل المعلومات التي يخطط الصحفي الحصول عليها لها قيمة وتلعب دورا هاما في التحقيق الذي يعده المحرر.
4- ينبغي وضع خطة تفصيلية لما ينوي الصحفي فعله؛ وخاصة أنه مع استحداث الوسائل التكنولوجية الحديثة أصبح التخفي سهلا من خلال استخدام الكاميرات الخفية وأجهزة التسجيل الصغيرة.
5- عند إجراء التحقيقات السرية أو المستترة يحظر تماما أن ينصب الصحفي الفخ لأي شخص لكي يرتكب خطأ ثم يكتب عنه لأنه أمر غير أخلاقي.
قبل النشر
بعد تخفي الصحفي واستكمال المعلومات الخاصة بالتحقيق، يجب الكشف عن هويته ومنح الشخص أو الجهة موضع التحقيق الفرصة للتعليق على النتائج التي توصل إليها، قبل نشر التحقيق.
محظورات التخفي
الظروف التى لا تبرر استخدام الخداع أو الكاميرات الخفية:
– السعي وراء الحصول على جائزة صحفية
– السعي للمنافسة الصحفية مع الزملاء
– تفادي بذل المزيد من الوقت والجهد من أجل الحصول على قصة صحفية
– تقليد الآخرين
– أن يكون موضوع القصة غير أخلاقي