الصحافة الاستقصائية: صعوبات عدة ونبش في خفايا القصص بالبحث والتدقيق
شبكة الصحفيين الدوليين – علي الابراهيم
تعرف الصحافة الاستقصائية بأنها مادة صحفية قائمة على أسس منهجية يستخدمها الصحفي للحصول على المعلومات، من خلال سلوك منهجيّ مؤسساتي صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصًا على الموضوعية والدقة. وللتأكد من صحة المعلومة وما قد يخفيه انطلاقًا من مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد، والتزامًا بدور الصحافة كأداة حراسة على السلوك الحكومي، وكوسيلة لمساءلة المسؤولين ومحاسبتهم على الانتهاكات.
ورغم الدور الذي المهم الذي تلعبه الصحافة الاستقصائية في كشف الحقائق والخفايا إلا أن هذا النوع في المنطقة العربية بات يواجه صعوبات عدة وحملة شرسة من الحكومات، خاصة تلك التحقيقات المتعلقة بالفساد أو الإنتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان والتي تتطلب متابعة من جغرافيا مختلفة قد تصل لـخارج حدود البلاد لما يعرف (بالتحقيقات العابرة للحدود).
إن الإعلام عموما، والاستقصاء بشكل خاص، يتعلق، بالأساس، بمدى الحرية المتاحة، ومدى القدرة على العمل على أرض الواقع، والبحث لما وراء الأشياء بهدف الوصول إلى الحقائق، وساعد على ذلك التحولات الحاصلة في البلاد العربية نحو الديمقراطية وحرية الإعلام ولو بشكل بسيط.
ويرى مختصون أنه رغم وجود بوادر لوجود صحافة معمقة في البلاد العربية نتيجة التحولات التي أعقبت الربيع العربي، إلا أن انتشار الفوضى وتقويض سلطة القانون وعدم وجود قوانين لليوم في معظم الدول العربية تشرع للصحفيين حق الحصول على المعلومة، إضافة لانتشار معلومات ليست دقيقة وتدولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع وجود حالة الرغبة بالاستحواذ والسيطرة المتوفرين عند السلطات الحاكمة في البلاد العربية، كات من أبرز المعوقات في البلاد العربية والتي تقف عائقاً لانتشار هذا النوع من الصحافة.
وترى المديرة التنفيذية لشبكة إعلاميون عرب من أجل صحافة استقصائية – أريج، رنا الصباغ، أنه وبعد الانفراج النسبي في حالة الإعلام والحريات على صعيد أكثر من بلد عربي، تبين أن هناك آفاقا واسعة لازدهار مثل هذا النوع من الصحافة، إلا أن تحديات عمل الاستقصاء، أيضاً كثيرة، ولا سيما وأن الإعلام يعيش تبعية كبيرة، أحياناً تجاه مؤسسات الدولة، وأحياناً لرأس المال وعلاقاته النفعية، وأحياناً أخرى تبعية لجماعات الضغط ذات العلاقات المتشابكة.
منذ إطلاق شبكة التحقيقات الاستقصائية السورية، سراج في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 دأبت على البحث عن فرص للتعاون والتشبيك مع المؤسسات الصحفية الاستقصائية العربية والدولية من أجل ترسيخ ثقافة التقصي ونشر صحافة المحاسبة في سوريا وإنتاج تحقيقات استقصائية عابرة للحدود.
الصحفي الاستقصائي محمد بسيكي أكد أنه من أهم ميزات إنتاج تحقيقات استقصائية عابرة للحدود هو إنتاج محتوى استقصائي مشترك مرئي ومكتوب، كما يوفر إطار التعاون فرصة للصحفيين، وانجاز تحقيقات مشتركة ذات بعد إقليمي، مع التداخل الكبير في القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية بالمنطقة العربية بما يحمله ذلك من تشابك في ملفات الفساد والانتهاكات.
ويرى بعض الصحفيين أن الصحافة الاستقصائية تتميز بالجرأة بالتالي دفعت الصحافيين إلى السير للأمام في تناول قضايا مشابهة في عدة دول بعيداً عن الخوف والرقابة الذاتية أو المؤسساتية.
لكن رغم الصعوبات التي تواجهها الصحافة الاستقصائية إلا أن هناك عدة خطوات ونصائح يجب اتباعها حتى تصل لتحقيقات يمكن وصفها بالناجحة ومنها:
– قبل إجراء التحقيق ضع خطة تفصيلية تحدد من خلالها هيكل التحقيق وتقوم بعدها بتدقيق الحقائق التي وصلت إلى الفريق ويطلق على ذلك (تدقيق الحقائق) حيث أن تدقيق الحقائق هو من أبرز الخطوات وأهمها في إنجاز التحقق ووجود هذا المخطط قبل الشروع بالتحقيق يوضح للفريق أي شكوك محتملة فيما يتعلق بإجراء تحقيق عبر الحدود.
-اتباع عدة طرق للوصول للمعلومات الدقيقة من مصادرها الأولية، وخاصة لتلك المنتشرة على الانترنت أو مواقع التواصل الاجتماعي، ويمكن القيام بذلك عبر مواقع مخصصة تتيح إمكانية البحث والتحقق عن الصور ومقاطع الفيديو وحتى الوثائق على اختلاف أنواعها ومهما كانت مصادرها، وتتيح التدريبات المتخصصة في هذا المجال للصحفيين سواء كانت ورش جماعية أو تدريبات أونلاين لتسليح الصحفيين بمهارات البحث والتحقق.
– حدد بوضوح زاوية القضية أو القصة التي سيتم التحقيق فيها والعمل عليها، إضافة لذلك قم بإحراء بحث أولي حول القصة، إضافة لتحديد القوانين في كل بلد التي سيجري فيها التحقيق، ويفضل طلب مساعدة محام محلي.
– قد يمثل النقل خارج الحدود في إي بلد للبيانات صعوبات أيضًا، لأن بعض السلطات القضائية لديها متطلبات إضافية لنقل البيانات إلى بلد آخر يجب أخذها في الحسبان.
ـ إذا كنت رئيسا لفريق من الصحفيين الاستقصائيين، يفضل أن تجلس مع الصحفي وتحاوره بفكرته بمنتهى الصرامة لتتأكد من صحتها وتمكنه منها، إضافة للتشكيك بالفرضية وإمكانية تنفيذها وهو ما يدفع الصحفي لشرح فرضيته بالشكل الأمثل وتجويدها قبل بدء العمل.
ـ يفضل مواجهة المتسببين وأطراف القضية التي تعمل عليها مبكرا ببعض الحقائق التي وصل لها التحقيق والصحفيين، وبذلك نعطي وقتا لاختبار تفسيراتنا وافتراضاتها المبدئية.
ـ بعد تجهيز المعلومات تأكد من أن النتائج التي خلص إليها التحقيق كافية ولديها ما يسندها من وثائق ثم نتأكد مما إذا كان ثمة معلومات ناقصة يجب ذكرها، إضافة لإغلاق كافة الثغرات الممكن أن تضعف محتوى التحقيق.
تظل الصحافة الاستقصائية من أهم الفئات المهنية الإعلامية وأرقاها وأشدّها تعقيدا، ذلك أنّ هذا المشهد الإعلامي والرقمي الجديد قد جعل من الأشكال الصحفية التقليدية كالخبر والتعليق والاستجواب والنقل وحتى التحقيق في مستواه الأوّل أجناسا صحفية عاديّة ويسيرة التنفيذ قياسا في التحقيق الاستقصائي الذي يستوجب بناء وتخطيط وبحثا في سبيل الوصول إلى المعلومات الضرورية وكشف ما خفي من حقائق.
هذه المادة نشرت ضمن برنامج الشراكة لمركز التوجيه التابع لشبكة الصحفيين الدوليين| ICFJ والتي تشارك فيه وحدة التحقيقات الاستقصائية السورية- سراج
الصورة من: مؤتمر أريج للصحافة الاستقصائية 2014، خلال لقاء الصحفيين مع الصحفي الاستقصائي سيمور هيرش