إيجاد أفكار للتحقيق الاستقصائي… البداية الأصعب للصحفي!
IJNET: يعدّ التحقيق الاستقصائي أصعب الأجناس الصحافية وأكثرها استهلاكًا للوقت والجهد والمال، لذلك عندما يقوم الصحفي بانطلاقة خاطئة في هذا النوع من الصحافة، تكثر احتمالات الفشل في الوصول إلى المبتغى ليتحوّل التحقيق إلى مجرّد مادة تملأ الفراغ أو المساحة داخل الجريدة دون أن تحقق أي أثر. لذلك يظهر أن إيجاد فكرة دقيقة وحصرية لمباشرة تحقيق استقصائي، من الأدوات التي تتيح للصحفي إنجاز ما يصبو إليه من تفرّد وجذب لاهتمام القارئ.
في كتاب “على درب الحقيقة” التي أصدرته منظمة أريج، نجد مجموعة من الطرق التي تمكّن الصحفي من إيجاد أفكار تصلح للاستقصاء، تعتمد بغالبيتها على طرح الصحفي بعد متابعته لقصة ما هذا السؤال: “كيف حدث ذلك؟” في خضم بحثه عن الإجابات تكبر حظوظه لإيجاد فكرة استقصاء قوّية. كذلك من الأمور التي تساهم في إيجاد موضوعات استقصائية هي متابعة ما يستجد في محيط الصحفي من ظواهر جديدة، فضلًا عن إمكانية الاستماع لشكاوى الناس.
ومن المصادر التي يمكن البحث فيها لإيجاد قصص جيدة بحسب الدليل، قطاع النقل الطرقي والبحري، مكبات نفايات المستشفيات، بيع الأطعمة المنتهية صلاحيتها، الغش في البناء، تهريب المخدرات إلى السجون، الإهمال داخل دور الأيتام، سوء استخدام الأموال في تنظيمات المجتمع المدني، التقصير الطبي، والعنف في المدارس.
من ناحية أخرى، يشير موقع الصحافة الاستقصائية الإفريقية، إلى ست طرق تقريباً لإيجاد الأفكار المطلوبة والمناسبة، وهي:
1- الاعتماد على التجربة الخاصة للصحافي، أي على تجارب سابقة له في العمل على بعض المواضيع، يمكن أن يعود إليها لإخراج أفكار استقصائية
2- تجربة الأصدقاء الذين يعملون في بعض الوظائف التي تتيح إمكانية البحث، مثلًا رجل شرطة
3- المعتقدات الشائعة وشكوك المواطنين في بعض الظواهر
4- الجرائد والصحف والمجلات المحلية الخاصة بالمدن
5- تتبع جوانب من قصص لم تظهر بالشكل الكافي والوافي للمتابع
6- التحقق من المعلومات العامة التي تُنشر والتشكيك بطروحاتها وطرح الأسئلة حولها، إذ يمكن لخبر بسيط يظهر في جريدة أن يتحوّل إلى مشروع تحقيق بالنسبة للصحافي
يقول أحمد مدياني، الفائز بجائزة الصحافة العربية عن فئة الصحافة الإنسانية: “خلال الفترة التي علمنا فيها داخل مجلة مغرب اليوم، استطعنا تحت إشراف إدارة نشر شابة، انتزاع سبع جوائز صحافية استقصائية في مختلف الفئات وكانت الصحافة البيئة والصحافة الإنسانية والصحافة الاستقصائية العامة.” كمنت قوة انتاج المواد في طرح الأفكار داخل اجتماعات هيئة التحرير، ثم مناقشتها، وتقديم كل زميلة وزميل لوجهة نظره، وتوفير الإمكانيات اللازمة لكل زميل من أجل معالجة مادته بطريقة مهنية.
ويضيف مدياني لشبكة الصحفيين الدولييين: “أما عن التجربة الخاصة، فكنت أحرص على البحث عن مواضيع لم يسبق أن عولجت، أو البحث عن زاويا معالجة مختلفة، بل كنت أحياناً أنقر عنوان أو موضوع التحقيق الذي أود معالجته على محرك البحث جوجل، كي أتأكد أنه لم يسبق فعلاً أن نوقش كي لا أقع في التكرار أو اللبس عند القراء بعد صدور المادة”.
كما تشرح الصحافية الأمريكية لوسنيدا. س فليسون، في كتابها: عشر خطوات كي تصبح صحافياً استقصائياً، أنه خلال العقود الأخيرة، ترّكز السؤال الأكبر في إيجاد أفكار تصلح لتحقيقات استقصائية، في طرح “كيف؟”، مقدّمة مجموعة من الأمثلة التي حققت لأصحابها تحقيقات في المستوى.
من هذه الأمثلة: كيف بنت الصناعة النوّوية مراكزها دون أن تعلم أين ستفرّغ مخلّفاتها؟ كيف قررت أسرة أن تقطع الكهرباء عن الآليات التي كانت تسمح لعجوز من العائلة نفسها الاستمرار في الحياة داخل المستشفى؟ كيف هاجمت كلاب من الشرطة مجموعة من الأشخاص الذين ارتكبوا مخالفات صغيرة؟ كيف تبرّر مؤسسة تعليمية خاصة بأنها لا تملك المال لتشغيل الحواسيب بينما يستثمر مدراؤها الملايين في منجم للفحم؟ كيف تُخرج المستشفيات المرضى النفسيين دون ضمانات بالسكن وتتركهم في الشارع؟
وهناك بعض المؤسسات الإعلامية التي تفتح الباب أمام الجمهور من أجل أن يقدّم لها أفكارًا تصلح لتحقيقات استقصائية، مثل شبكة “إن بي سي نيوز”، التي تعرض أعمال أحد صحافييها الحائز على جائزة بوليتزر للصحافة، وتطلب في نهاية الصفحة من الجمهور أن يراسلوه بأفكار يحوّلها إلى استقصاءات مثيرة.
المصدر: شبكة الصحفيين الدوليين.