الموقع قيد التطوير

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit

“متاهة الهروب” داخل “مخازن” وشبكات تهريب السوريين إلى أوروبا عبر ليبيا 

تحقيق: علي الإبراهيم، ايمان الشربينى، محمد بسيكي، يارا حلبي (سراج)، سارا كريتا، مود جوليان (لايت هاوس ريبورتس)، مهند النجار (دير شبيغل).  عملت  الوحدة السورية للصحافة […]

تحقيق: علي الإبراهيم، ايمان الشربينى، محمد بسيكي، يارا حلبي (سراج)، سارا كريتا، مود جوليان (لايت هاوس ريبورتس)، مهند النجار (دير شبيغل). 

عملت  الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج” SIRAJ مع “لايتهاوس ريبورتس” Lighthouse Reports وريبورترز يونايتد Reporters United و دير شبيغل DER SPIEGEL وإل باييس El Pais ضمن فريق صحافي عابر للحدود، لتحديد شبكة التهريب التي تقف خلف حادثة القارب المميتة وكيفية عملها، باستخدام منهجية توظيف شبكة العلاقات القائمة بين الناجين من غرق القارب وذويهم، كما أجرينا مقابلات مع مهاجرين مروا على مراكز الاحتجاز الليبية وآخرين لا يزالون يقبعون داخلها ينتظرون ركوب البحر، وتمت مقاطعة المعلومات الواردة في الشهادات، وحللنا أدلة بصرية، وتحدثنا مع مصادر من ليبيا.  نُشر التحقيق  باللغات الإنكليزية والإسبانية والألمانية واليونانية، والعربية على “درج” و”سراج”. 

*شارك في إعداد التحقيق: منال الحسن.

* تم تغيير أسماء الناجين والشهود لأسباب أمنية وبناء على طلبهم. 

———————————————————————-

فور وصوله إلى مدينة طبرق في شرق ليبيا، وجد أحمد (32 عاماً) نفسه محاصرًا بين ايدي شبكة لتهريب البشر (Human Trafficking). تم نقله إلى (مخزن) مستودع يستخدم كمركز لتجميع المهاجرين واللاجئين، والذي يعد واحدًا من سلسلة مخازن في المدينة. تقع طبرق على ساحل البحر الأبيض المتوسط  (1300 كيلومتر شرقاً من العاصمة الليبية طرابلس) وتُعتبر وجهة للسوريين والأشخاص الذين يسعون للوصول إلى أوروبا عبر ليبيا.

وصل الشاب إلى مطار بنينا في مدينة بنغازي شرق ليبيا بمساعدة وسيط سوري من محافظة درعا جنوب سوريا، يدعى أبو يوسف، حيث وصل مع 62 شخصاً إلى ليبيا في نهاية 2022.

تم ترتيب نقل أحمد ومن معه إلى ليبيا بعد الحصول على الموافقات الأمنية اللازمة من السلطات الليبية، وحجز تذاكر الطيران جوًا انطلاقًا من مطار بيروت ودمشق، مقابل 1700 دولار أمريكي (15.5 مليون ليرة سورية) للشخص.

داخل جدران المخازن المظلمة، تعامل أحمد مع واقع “مروع” كما يقول. “لقد تحول المخزن، الذي كان يستخدم لتخزين البضائع وكان سكنا للحيوانات، إلى سجن للمهاجرين واللاجئين” يضيف الشاب.

يوجد في ليبيا أكثر من 670 ألف مهاجر في ليبيا، ينحدرون من أكثر من 41 جنسية مختلفة بينهم سوريون. 

ومنذ عام 2021، يشهد عدد المهاجرين في ليبيا ارتفاعًا مستمرًا. فيما توثق الأمم المتحدة العديد من حالات الاعتقال التعسفي والقتل والاغتصاب والاسترقاق والاختفاء القسري في ليبيا، بما في ذلك حالات القتل خارج نطاق القضاء.

في حين وصل عدد الوافدين عبر البحر المتوسط من ليبيا إلى البر الأوروبي “اليونان وإيطاليا” منذ بداية 2023 إلى 94,138 شخصاً حتى تاريخ 11 حزيران/ يونيو. 

 

إحصائية لعدد الوافدين عبر البحر المتوسط من ليبيا إلى البر الأوروبي، الأمم المتحدة.

خلال فترة بقاءه في المخزن، أصبحت أيام الشاب تمر بروتين “ممل” يتكرر، حيث يعيش في الحجز ويتملكه الخوف. كان المخزن مزدحمًا بالناس من جنسيات مختلفة بين المحتجزين نساء وأطفال، “كان هناك مهاجرون مصريون وسودانيون وباكستانيون وسوريون، تقاطعت طرقهم في هذه المكان (مخزن الاحتجاز)” يقول لفريق التحقيق.

لحسن حظ أحمد، فقد كان من بين الناجين من حادثة غرق مركب (الجرافة) حمل نحو 750 شخصًا من ليبيا وغرق في المياه الدولية قبالة شبه جزيرة بيلوس اليونانية 14 حزيران/يونيو الماضي، وكنا قد تناولناه في تحقيقنا الاستقصائي السابق بعنوان “الطريق إلى كالاماتا”: “من حاول إنقاذنا من الغرق هو من أغرقنا” .

أذن الشاب العشريني لفريق التحقيق بإجراء مقابلة معه مرتين، الأولى فور نجاته من الغرق من حادثة المركب ووصوله إلى مدينة كالاماتا (مخيم ما لاكاسا)، والثانية بتاريخ 12 تموز/يوليو في اليونان. 

قدمت شهادته وشهادات الناجين الآخرين دافعاً لفريق التحقيق لتتبع رحلات اللاجئين من سوريا إلى ليبيا عبر بلدان الجوار مثل لبنان وتركيا والأردن، وتتبع مسارات شبكات التهريب والاتجار بالبشر عبر الحدود بالاعتماد على الأدلة على لسان الشهود الناجين والوثائق التي حصل عليها فريق التحقيق لفهم كيفية عمل هذه الشبكات المنظمة وعلاقتها مع المجموعات العسكرية التي تسيطر على ليبيا. 

عملت وحدة سراج SIRAJ مع Lighthouse Reports و Reporters United وDER SPIEGEL و El Pais ضمن فريق صحفي عابر للحدود لتحديد شبكة التهريب التي تقف خلف حادثة القارب المميتة وكيفية عملها، باستخدام منهجية توظيف شبكة العلاقات القائمة بين الناجين من غرق القارب وذويهم، كما أجرينا مقابلات مع مهاجرين مروا على مراكز الاحتجاز الليبية وآخرين لا يزالون يقبعون داخلها ينتظرون ركوب البحر، وتمت مقاطعة المعلومات الواردة في الشهادات، وحللنا أدلة بصرية، وتحدثنا مع مصادر من ليبيا.

اتهام الضحايا 

عقب غرق القارب الذي يقل 750 مهاجرا قبالة شبه جزيرة “بيلوس” اليونانية في 14 حزيران/ يونيو الماضي، أطلقت المحكمة البحرية اليونانية تحقيقًا أوليًا في استجابة خفر السواحل للحادث. بعدها جرى اعتقال تسعة أشخاص يحملون الجنسية المصرية في قضية أخرى كانوا من الناجين، ووجهت لهم تهمة الاتجار غير الشرعي بالأجانب والقتل غير العمد. 

القارب الذي كان يحمل نحو 750 شخصًا وغرق في المياه الدولية قبالة شبه جزيرة بيلوس اليونانية 14 حزيران/ يونيو الماضي.


يقول ذوي المصريين المحتجزين أنهم ركاب على متن القارب وأنهم مهاجرون، حيث قدمت 3 أسر من أصل تسعة لمعدي التحقيق، أدلة بأن أبناءهم دفعوا ثمن رحلتهم للمهربين.

بالمقابل، يقبع المهربون وميسروا الرحلات بالقوارب على البر الليبي، وفق ما وجد فريق التحقيق من خلال محادثة أجراها مع المهرب نفسه. ما شكل لفريق التحقيق حافزا للمضي قدما من اجل كشف هذه الشبكات وكيف تعمل ومن يقف خلف هذه الرحلة المميتة.  

تواصل معدو التحقيق مع أحد المهربين الذين رتبوا سفر أحد المتهمين المصريين الذين اتهموا من قبل السلطات اليونانية بالاتجار بالبشر بعد وصوله كناجي، وطرحوا عليه مجموعة استفسارات واسئلة كشخص ينوي السفر بالقارب وطلبوا منه معلومات عن مسار الرحلة وموعدها والسعر. 

لقطة شاشة لنص المحادثة مع المهرب من قبل فريق التحقيق. المصدر: وحدة سراج.
لقطة شاشة لنص المحادثة مع المهرب من قبل فريق التحقيق. المصدر: وحدة سراج.

فيما بعد تمكنا من رصد فيديو نشره المهرب على صفحته في فيسبوك يوم 13 حزيران/ يونيو الماضي حيث كان يصور طريقا في شارع رئيسي دون أن يحدد مكان الفيديو. كان هذا بمثابة دليل على نشاطه وتواجده في مكان ما في ليبيا، لاحقا تبين لفريق الصحفيين وبعد التحقق من الفيديو انه كان يصور أحد الشوارع في طبرق.  

  • بث مباشر في 13 يونيو / حزيران الماضي، يسير المهرب ويصور في طبرق حيث تم تحديد الموقع الجغرافي للفيديو في شارع رئيسي في شمال غرب المدينة.

 

فريق التحقيق حدد الموقع الجغرافي (Geolocation) للمهرب في مدينة طبرق. المصدر: وحدة سراج.


في ردها على اسئلة فريق التحقيق حول المتهمين وامكانية بقائهم تحت الاعتقال الأولى، وكذلك عن عدد الناجين الذين تم استجوابهم للإحاطة بالحادثة، قالت وزارة الشؤون البحرية وسياسة الجزر اليونانية، في معرض ردها إنه لا تستطيع الإجابة على الأسئلة لانها تشكل جزءًا من التحقيق الجنائي الذي يتسم بالسرية المطلقة، وفقًا لإرشادات مكتب النيابة العامة للمحكمة العليا. و تتم الإجراءات وفقًا لأحكام قانون الإجراءات الجنائية.

بدورها، أوضحت المفوضية الأوروبية أنها غير مكلفة بإجراء تحقيقات في هذه القضية. وقال المتحدث باسم المفوضية عبر البريد الإلكتروني الموجه لفريق التحقيق:” المفوضية الأوروبية ليست مكلفة بإجراء تحقيقات أو إثبات الحقائق بشكل قاطع في هذه القضية”.

فيما لم ترد حكومتا مالطا وإيطاليا على اسئلة فريق التحقيق.

طرق السوريين إلى ليبيا؟

كفرد من مجموعة تضم المئات، معظمهم من مصر وسوريا وباكستان، بقي أحمد سبعة أشهر محتجزاً في المخزن ينتظر دوره. 

يقول الشاب: “كان المبلغ المتفق عليه 4500 دولار على الشخص الواحد (يدفع للمهرب) ويدفع المبلغ بعد وصولنا إلى إيطاليا خلال اسبوع، ولكن عندما وصلنا إلى ليبيا تفاجأنا بسوء الوضع، وبدأت عملية الاحتجاز والاستغلال المادي”.

يضيف: “لقد احتجزوني سبعة أشهر في مخازن عبارة عن سجن، يسيطر على هذه المخازن حراس يحملون أسلحة ويتعاطون المخدرات، يمنعون إصدار أي صوت، و يهينون الناس بشتى الطرق، شتم بأبشع الألفاظ، وأذى جسدي وتعذيب في بعض الأحيان للمهاجرين من  الجنسيات المصرية والسودانية والباكستانية”.

بحسب أحمد، “كان الطعام غاية في السوء، وكانوا (الحراس) يأخذون أضعاف ثمنه”.

بحسب معلومات ووثائق حصل عليها فريق التحقيق من مهاجرين سلكوا طريق ليبيا، يدخل السوريون الأراضي الليبية بموافقة أمنية، وتشير الشهادات التي قدمها المهاجرون إلى حقائق متشابهة حول عمليات العنف “الشديد” الذي يتعرضون له. 

يبدأ هذا العنف عادةً عند دخولهم إلى ليبيا، حيث يشارك المهربون في تلك العمليات، ويتم نقلهم  إلى مراكز احتجاز ” مخازن”، دون تمكينهم من حق المراجعة القضائية.

توثق عدة منظمات حقوقية ليبية من بينها منظمة التضامن لحقوق الإنسان حقيقة تهريب المهاجرين، واستعبادهم، تعرضهم للعمل القسري، واحتجازهم في سجون سرية، وابتزازهم. 

وتشير تلك المنظمات إلى أن هذه الأنشطة تولد عائدات كبيرة للأفراد والجماعات ومؤسسات الدولة، ما يشجع على استمرار ارتكاب انتهاكات حقوق المهاجرين.

البحر من أمامنا..

تحولت رحلة البحث عن اللجوء للشاب العشريني عادل (22 عاماً) إلى مأساة مستمرة بعدما غادر لبنان بعد عشر سنوات من الانتظار. رغبة عادل في إيجاد طريق آمن للوصول إلى أوروبا وجدت عراقيل تتجاوز توفير تأشيرات الدخول. 

يواجه الشاب السوري تحديات في العودة إلى سوريا، حيث يعتبر مطلوبًا للنظام السوري وسيواجه الاعتقال اذا عاد.

وتعتبر لبنان أيضًا خيارًا غير ممكن للشاب، حيث أنه لم يعد مرحبًا بعودته إلى البلاد حتى لو أراد ذلك، بسبب وضعه كلاجئ سابق فيها. 

أما في ليبيا، فهو يعاني من “وضع سيء للغاية” كما يقول. يعيش عادل حاليًا في مزرعة تديرها شبكة المهربين، ويشارك حوالي 50 شابًا سوريًا نفس الوضع. 

رتب فريق التحقيق مقابلة مع الشاب الذي يقيم في منطقة نتحفظ عن ذكرها للحفاظ على أمنه – قال فريق التحقيق “لا استطيع الخروج من المزرعة التي أعيش فيها .. اشعر اننا لسنا بشر في ليبيا، بل مجرد أموال يمكن الاستيلاء عليها”. 

ويضيف الشاب: “سنعبر البحر حتى لو كان الموت مصيرنا فهو أهون علينا من البقاء هنا في هذه المعتقلات”.

يوجد أيضًا مزرعة أخرى تستضيف حوالي 60 عائلة سورية. تمامًا كباقي المهاجرين، ينتظر الشاب الفرصة لعبور البحر المتوسط إلى أوروبا، لأنه “لا يعود يهتم بأي شيء آخر” كا يقول.

من رحلة اللجوء إلى الاعتقال!

رحلة اللجوء تتحول إلى رحلة محفوفة بالمخاطر تنتهي بالاعتقال. حيث تنتشر معظم المخازن التي تحدث عنها المهاجرون في أطراف مدينة طبرق وبنغازي. ظروف الاعتقال في السجن سيئة ويعاني المعتقلون من سوء التغذية وعدم توفر مياه الشرب، بالإضافة لانتشار أمراض جلدية معدية مثل مرض الجرب.

يقول الطبيب الألماني كريستوف هي، والذي أمضى في عمله أربعة أشهر كمنسق فريق من ستة أشخاص يقوم بمشروع طبي لمنظمة “أطباء بلا حدود” إنه بين أيلول/سبتمبر وأيار/مايو الماضيين، انه قضى 22 طالب لجوء نحبهم، على الأرجح نتيجة إصابتهم بالسل.

لكل شبكة من المهربين مجموعة من المخازن التي تسيطر عليها وتحتفظ فيها بالمهاجرين قبل انطلاقهم إلى البحر. وفي كل مخزن مزود بآليات مراقبة كما تنتشر أمامها سيارة عسكرية وعناصر بلباسهم الرسمي، يحرسونها ويحرصون على عدم اقتراب أي كان منها. 

وحسب شهادات من التقينا بهم، فقد كانت الحياة داخل المخازن مليئة بالعنف، وهو ما يتقاطع مع تقرير لبعثة الأمم المتحدة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، صدر في 27 آذار/مارس 2023، يؤكد تعرض المحتجزون بانتظام للتعذيب والسجن الانفرادي ومنعوا من الاتصال بالعالم الخارجي، وحُرموا من المياه، والطعام، والمراحيض، والمرافق الصحية، والانارة، والتمرين، والرعاية الطبية، والاستشارة القانونية، والتواصل مع أفراد الأسرة.

من السماسرة السوريين الى المهربين الليبيين!

في أواخر 2022، قرر الشاب السوري كريم مغادرة سوريا والسعي لحياة أفضل في أوروبا. بعد العمل في مصر لفترة من الوقت، قرر السفر إلى ليبيا والانتقال إلى مدينة بنغازي كوجهة محتملة للوصول إلى أوروبا.

اتصل كريم بشخص سوري يعيش في مصر، واتفق معه على ترتيب تأشيرة دخول (موافقة أمنية) إلى ليبيا عبر بنغازي. وتم الاتفاق على دفع مبلغ مقدم قدره 200 دولار أمريكي (2,3 مليون ليرة) ومبلغ ألف دولار (11,5 مليون ليرة سورية) عند الوصول إلى بنغازي، والذي يشمل تكلفة تذكرة الطائرة. وفي شباط/ فبراير الماضي غادر كريم مصر ووصل إلى بنغازي.

وصف ثلاثة ناجين كيف سهل مسؤولو الهجرة وصولهم إلى ليبيا عند وصولهم في المطار. 

وقال أحد الناجين الذين التقينا بهم: إن شخصًا أخذ جواز سفره فور وصوله للمطار وذهب إلى مكتب الهجرة وقام بالختم (ختم دخول ليبيا) وأخرجهم من المطار. 

عمل كريم في بنغازي لمدة شهر، وخلال عمله هناك، التقى بشخص سوري آخر يخطط للهجرة إلى أوروبا عبر إيطاليا. وأخبره عن رجل سوري يمتلك علاقات قوية مع المهربين في ليبيا. 

قرر كريم وصديقه الانضمام إلى الرجل السوري ودفع مبلغ 4500 دولار (51,7 مليون ليرة سورية) لتنظيم رحلتهم إلى إيطاليا.

يعمل هذا السمسار السوري مع شبكة مهربين، وكان قد وصل إلى ليبيا قبل عامين بنية الهروب إلى أوروبا. ولكنه قابل رجلاً ليبيًا  يُدعى محمد أ وعرض عليه البقاء والعمل لديه من أجل إقناع المزيد من السوريين بالقدوم إلى ليبيا. وهكذا قرر الرجل السوري البقاء في ليبيا والعمل مع المهربين هناك وأصبح جزءا من الشبكة.

قضى كريم وصديقه أكثر من شهرين في منزل الرجل السوري في انتظار الرحلة مع خمسة أشخاص آخرين. 

كان محمد أ يوفر الحماية للرجل السوري ويدير الأمور المهمة المتعلقة بتهريب الأشخاص، وكانت الشقق الأخرى مليئة بالمهاجرين كما يقولون، حيث كان هناك أكثر من 40 شخصًا في كل شقة. 

يقول كريم:” كان محمد أ يخبرنا دائمًا أن الرحلة ستتم على متن قارب آمن جدًا يُحضره ابن عمه من مصر”. 

ووصف القارب بأنه كبير الحجم وسيكون هناك حوالي 300 مهاجر فقط على متنه. 

ويضيف:” كان محمد أ يفتخر دائمًا بابن عمه الآخر الذي يحمل نفس الاسم، والذي يعمل في الحكومة الليبية”.

 

قارب فارغ يعتقد ان مهربون ركنوه على الشاطئ قرب طبرق عثرت عليه السلطات الليبية – حصري

ترتيب رحلة الموت 

تتورط مجموعات مسلحة في شرق ليبيا في تهريب المهاجرين وعمليات صد وارجاع للمهاجرين في مياه الاتحاد الأوروبي. وقد تم تنفيذ عمليتي سحب وإرجاع على الأقل بواسطة مليشيا تُدعى طارق بن زياد، التي يسيطر عليها نجل حفتر، في المياه المالطية.

تم تنفيذ حادثتي اعتراض، واحدة في أيار/ مايو والأخرى في تموز/ يوليو من هذا العام. أربعة أشخاص فقدوا حياتهم في حادث غرق القارب بالقرب من جزيرة بيلوس اليونانية، وكانوا على متن القارب في رحلة سابقة تم اعتراضها في 25 أيار/ مايو الماضي، وفقاً لأفراد الأسرة.

قال والد أحد الضحايا السوريين الذين فقدوا حياتهم على متن القارب، أن ابنه كان في رحلة سابقة بالقارب تم اعتراضها في المياه الدولية وعاد إلى مالطا في 25 أيار/ مايو. وأكد أن غالبية من كانوا على متن السفينة خلال تلك الرحلة ، والذين أجبروا على العودة من مالطا ، قرروا القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر مرة أخرى واستقلوا القارب من طبرق صباح الجمعة.

أثناء التحقيق في ظروف غرق سفينة “بيلوس” في 14 حزيران/ يونيو الماضي وتحديد المسؤولية خلال عملية الانقاذ في مياه البحر المتوسط، تبين أن هناك مؤشرات على تورط شخصية بارزة من شرق ليبيا. 

قبل انطلاق القارب في الرحلة المميتة، وقبل نقل المهاجرين ليلا الى نقطة الانطلاق (الشاطئ)، ضرب حظر تجول ليلي في طبرق بتاريخ 4 حزيران/ يونيو الماضي، من قبل مديرية أمن طبرق، وحتى اشعار اخر. قال الناجون إنه تم نقلهم مع مئات الركاب إلى خليج صغير بالقرب من وادي أرزوكة Wadi Arzouka في الليل، ومن ثم صعدوا إلى القارب في الثامن من الشهر نفسه.

يبرز في عملية التهريب اسم شخص حددته ثلاثة مصادر متنوعة، أحد الناجين، ومهرب من المستوى الأدنى في هرم شبكة التهريب، وشخص ليبي من داخل البلاد، وهو محمد أ،  ويعمل في وحدة بحرية تابعة للقوات الخاصة المعروفة باسم الضفادع (frogmen). 

وأوضح أحد الناجين أن محمد أ، استغل منصبه لإصدار الرخصة التي سمحت للقارب المهاجر بالإبحار في المياه الليبية، وضمان أن خفر السواحل الليبيين حصلوا على أموال مقابل إغلاق أجهزة الرادار البحرية للسماح للسفن بالمغادرة.

لم يرد محمد أ على اسئلة فريق التحقيق التي وجهت له حول ما أثير حوله وحول الدور الذي لعبه في ابحار القارب ومن ثم غرقه.  

قال الخبير في الشؤون الليبية، جليل حرشاوي، إن “تجارة المهاجرين” ازدهرت في شرق ليبيا في الأشهر الثمانية عشر الماضية. وأضاف أن “حفتر لا يستطيع أن يقول إنه ليس على علم”. “لا يمكنه القول إنه غير متورط”.

ليبيا.. هاجس الأوروبيين

في أيار/مايو الماضي، التقى خليفة حفتر برئيس الوزراء الإيطالي ميلوني لبحث قضايا الهجرة ذات الصلة، وفي حزيران/ يونيو الماضي، قال وزير الداخلية الإيطالي إنهم سيطلبون التعاون من حفتر لوقف المغادرات. مغادرة القوارب. 

كما التقى وفد مالطي في نفس الشهر مع حفتر في بنغازي لمناقشة التحديات الأمنية في المنطقة، مع التركيز بشكل خاص على الهجرة غير النظامية.

وفقًا لمصدر ليبي، قد استثمر الاتحاد الأوروبي وخاصة إيطاليا في هذه الوحدات منذ 2020 وأجرى أعمال تأهيل على سفنها. ووفقًا للاتحاد الأوروبي، تم تقديم حوالي 465 مليون يورو لليبيا في مجال الهجرة مكافحة منذ 2015.

ويطالب سيرجيو كاريرا، وهو زميل زائر في مركز سياسات الهجرة (MPC) في إيطاليا، وهو ايضاً زميل الأبحاث الأول ورئيس وحدة العدل والشؤون الداخلية في كلية الحقوق المدنية والسياسية، أن يتم وضع حقوق الإنسان كشرط أساسي لتقديم التمويل. ويقول:” وفي حالة وجود أدلة على انتهاكات حقوق الإنسان أثناء التنفيذ، يجب تعليق تلك الأموال”.

اليوم يعيش أحمد في مخيم ما لاكاسا، الذي يقع في منطقة جبلية بمدينة كالاماتا اليونانية، ويُعتبر ثاني أكبر منشأة للاجئين والمهاجرين في اليونان. 

خلال حديثنا، يبقى أحمد صامتًا لفترة ويقول: “تلك الأيام التي عشناها في المخازن كانت تشبه الجحيم. أفضل الغرق في البحر خمس مرات على العودة إلى تلك المخازن المظلمة”.

  • تم إنتاج التحقيق بالشراكة بين الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، و Lighthouse Reports، ودير شبيغل، و EL PAÍS و Reporters United ونشر باللغات الانكليزية والاسبانية والألمانية واليونانية، والعربية على موقع درج.

اترك تعليقًا

التسجيل غير مطلوب



بقيامك بالتعليق فإنك تقبل سياسة الخصوصية

لا يوجد تعليقات