الموقع قيد التطوير

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit

السوريون في العراق تحت تهديد كوفيد١٩ وظروف مالية “تحت الصفر”

تقضي نيرمين محمد أغلب وقتها في عيادة التمريض الخاصة بها في مخيم للاجئين السوريين يعرف باسم (قوشتبه) في أربيل شمالي العراق، لسد رمق عيش عائلتها بعد أن هربت من سوريا جراء الحرب الدائرة هناك، لكنها لم تتوقع أن فيروس كورونا سوف يحملها عبئاً مشابه للنزوح ومشقة الحياة في العراق.

انتشر فيروس كورونا في أواخر عام ٢٠١٩، وتسبب بحجر عام في أغلب بلدان العالم وأثر على الاقتصاد والحركة التجارية وتضرر منه أصحاب الدخل المحدود والمهن اليومية في البلدان النامية كالعراق.

لكن الوضع في مخيم قوشتبه الذي يضم أكثر من ألفين عائلة سورية مختلف تماماً، حيث لا يتلقون مساعدات كافية من الدول والمنظمات الدولية المعنية بمساعدة اللاجئين.

وتقول نيرمين محمد (٣٤ عاماً) إن: “فيروس كورونا أضاف مشاق لحياتنا حيث لا نستطيع الخروج من المخيم إلا في الحالات المرضية المستعصية وأثر بشكل كبير على وضعنا الاقتصادي فأنا المعيلة لعائلتي بعد أن سافر زوجي وترك العائلة بأكملها فقد تضاعفت مسؤوليتي”.

وتصف صعوبة الوضع المالي الذي يمثل أغلب اللاجئين السوريين داخل المخيم قائلة: “بعد الحظر الذي فرضته السلطات العراقية هنا لمنع انتشار فيروس كورونا تم إغلاق المخيم لثلاثة أشهر متتالية وهذا قد أثر علينا بشكل كبير حيث كنا نخرج في أغلب الأحيان خارج المخيم ونبحث عن فرص عمل هنا أو هناك، حيث وصلت أغلب العوائل هنا إلى حافة الهاوية من التدهور المادي والجوع وتراكمت علينا الديون في أغلب محال البيع هنا وباتوا لا يعطونا بالدين”.

الإقدام على الانتحار!

وتشير نيرمين إلى أن “أغلب المواد الموجودة في السلة الغذائية التي تقدمها المنظمات غير صالحة للأكل كالشاي والأرز التالف (مسوس) على الرغم من قلتها فهي غير صالحة للاستهلاك البشري، وبكل صراحة الكثير من المساعدات التي تعلن عنها المنظمات عبر مواقعها الإلكترونية، التي تقدمها باسم اللاجئين لا تصل إلينا.. أقولها بكل صراحة؟ وأنا من خلالكم أوجه رسالة إلى المنظمات الدولية لمساعدتنا خصوصاً في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها اللاجئون السوريين داخل المخيمات ونحن الآن بامس الحاجة للمساعدات خصوصاً توجد عوائل هنا وضعهم المادي تحت الصفر”.

بعد تردي الوضع الاقتصادي والمادي لبعض العوائل بات يفكر بعضهم بالانتحار حيث أقدم أحد اللاجئين على شنق نفسه أمام بوابة المخيم لعدم مقدرته على سد رمق العيش هنا وصعوبة الحياة، والوضع المادي والإنساني يسبب لنا ضغطا وكآبة نفسية نتيجة الصدمات اليومية التي يتعرض لها اللاجئين السوريين هنا، حسب نرمين.

تضيف: “في بعض الأحيان يطلب أولادي مني مصروف يومي لا أستطيع أن اعطيهم وهذا يسبب لي ألماً وحزناً شديدين كونهم صغار ولا يعرفون الأوضاع وما نمر به من حظر تجوال وعدم الحصول على عمل أو مساعدات من المنظمات المعنية”، هذا ما وصفته نيرمين مصحوب بالعبرة.

توقف الأعمال في ظل كورونا

وليس بأفضل حال من نيرمين، هزار عبد العزيز (٤٥ عاماً) والذي هرب من منطقة القامشلي السورية، يصف الأوضاع المعيشية في ظل كورونا قائلاً: “قبل أن ينتشر فيروس كورونا كنا نعمل في إقليم كوردستان وكانت توفر لنا بعض الفرص هنا وهناك لكن بعد موجة كورونا توقفت أعمالنا تماماً، حيث خلال عام كامل لم نعمل إلا عشرين أو ثلاثين يوماً متقطعة لا غير بعد توقف الأعمال في الشركة التي كنت أعمل فيها وبشكل عام أصبح الوضع مأساوي جداً، وبات وضعنا المعيشي متردي للغاية”.

ويشير إلى أن “الاعتماد على المنح والمساعدات المقدمة من المنظمات باتت لا تكفي وقليلة جداً حيث وزعت الأمم المتحدة (٢٠٠ دولار أمريكي) لمرة واحد فقط؟ خلال انتشار جائحة كورونا إلى العوائل والتي لا تكفي عشرة أيام من شهر واحد في ظل الظروف المعيشية الصعبة، وباقي الأشهر نضطر في أغلب الأحيان أن نحمل أنفسنا بالديون من معارفنا أو نطلب من أقاربنا خارج العراق المساعدة”.

“كنت أنا وابني قبل أن ينتشر الفيروس نعمل ونستطيع أن نسد رمق العيش لعائلتنا، ابني يعمل في المطاعم والمقاهي وأنا أيضاً أعمل في بعض الشركات عامل خدمة لكنه الآن توقف العمل تماماً و أغلقت أغلب المحال التجارية في أربيل والإقليم والعراق بصورة عامة وباتت ٩٠% من العوائل السورية داخل المخيمات تعاني وظروفها المالية تحت الصفر”، كما يبين اللاجئ هزار.

ونقلت شقيقة هزار المقيمة في مخيم باسطرمة له العدوى، إلا أن إصابته كانت خفيفة، وشكلت عبئاً آخر عليه وعلى عائلته التي تعاني من تردي الوضع الاقتصادي والمادي في ظل توقف جميع مفاصل الحياة بعد الجائحة.

لقاحات للاجئين

ويشير اللاجئ السوري هزار إلى أنه “لا يوجد أي شيء بما يخص اللقاح ضد فيروس كورونا على اللاجئين حتى الآن، على الرغم من وصوله إلى العراق وتوزيع الجرعة الأولى منه وتطعيم المواطنين”.

“وللأسف المسؤولين في العراق وسوريا نسوا الشعب ولا يشعرون بمعاناتنا، الكثير منا داخل المخيمات يعانون من أمراض مزمنة ويحتاجون إلى دواء ورعاية صحية خاصة بالإضافة إلى ظروف الحياة القاسية هنا، فنحن مهملون تماماً من قبل الجهات المسؤولة”، حسب هزار.

على الرغم من حصوله على عمل مستقل في سوبر ماركت على طريق قضاء مخمور في أربيل شمالي العراق، اللاجئ عدنان ياسين، هو الآخر يعاني من تردي وضعه المالية خلال الحظر الصحي، الذي فرضته السلطات المحلية هناك بعد انتشار كورونا. الشاب القادم من القامشلي السورية في مخيم قوشتبه يشرح وضعه المعيشي الصعب في ظل انتشار الوباء “لّدي سوبر ماركت يقع على الطريق ما بين قضاء مخمور وأربيل، كان عملي مستقر وأستطيع أن أدير وضعي المالية بسولهة لكن بعد فرض حظر التجوال الصحي تدهور الوضع المالي لي ولجميع أصحاب الأعمال الحرة في المخيم”.

لكن الناطق الرسمي باسم مفوضية اللاجئين فراس الخطيب يؤكد أنه “منذ بداية انتشار جائحة كورونا فقد حرصت المفوضية على أن تشمل خطة الحكومة العراقية للقاح كوفيد ١٩ جميع اللاجئين في العراق، ومن ضمنهم اللاجئين السوريين، وفعلاً الآن هم ضمن خطة اللقاح”.

المنظمات تخلت عنا!

ويلفت اللاجئ عدنان ياسين إلى أن “أغلب المنظمات الإنسانية المعنية بشؤون اللاجئين لم تقدم لنا ما كنا نحتاجه إلا البعض منها، لكن الكثير منها قد تخلت عنا في وقت جميع اللاجئين هنا كانوا بأمس الحاجة إلى المساعدات المادية والعينية أثناء فترات حظر التجوال الصحي، ففي بعض الأحيان كانت بوابات المخيم تغلق ولا يسمح لنا بالخروج، ولأيام لا أحد يسأل عنا فنضطر إلى الخروج من البوابات الخلفية أو من وراء الجدران لكي نحصل على مساعدات عوائلنا، وإن اللاجئين هنا لا يحتاجون الدعم المادي فقط بل المعنوي والنفسي حيث تسببت لهم بأزمات نفسية كبيرة”.

ثم يسأل “أين المنظمات التي تأسست بذريعة مساعدة اللاجئين والمهجرين من بلدانهم من كل هذه المعاناة وما يمر علينا من مآسي وفقر! ورسالة أخرى نوجهها إلى الأمم المتحدة من خلالكم نحن منذ ما يقارب العشرة أعوام مهجرين ونطالب باللجوء ولم تقدم لنا أي شيء الأمم المتحدة”.

غالية محمود، أم لستة أولاد جاءت لاجئة في العام 2013 من سوريا إلى العراق هرباً من الحرب الدائرة هناك لتلاقي معاناة أمامها لم تحسب لها، توفي زوجها قبل ستة أعوام وبعدها بدأت السيدة تعيل عائلتها.

عمل اثنان من أبناء غالية الكبار قبل الجائحة في مجزرة للدجاج ليحصلوا على بعض المال، حيث تقول: “في بادئ الأمر قبيل انتشار كورونا كنا نتصور بأنها فترة وجيزة وتنتهي شهر أو شهرين لكن عندما طال الأمر توقفت أغلب الأعمال هنا في إقليم كوردستان، وأجبر أحد أبنائي على البقاء في المجزرة حيث قايضه مديره بين البقاء في المجزرة أو خسارة عمله، لذلك كان يعمل وينام هناك لعدة أشهر لكي لا يضطر لترك العمل، وأحياناً كان يأتي خلسة لكي يعطيني المصروف ويخرج مسرعاً، وأخوه الآخر بقي دون عمل داخل المخيم”.

وكان لدى غالية محل صغير تعمل فيه قبل انتشار فيروس كورونا، لكن أثناء الحظر والتشديد الأمني اضطرت إلى إغلاقه كون البضائع لا تصل إلى المخيم ونفذ ما لديها من مخزون، وبعد تخفيف إجراءات الحظر استأنفت العمل فيه”.

المساعدات التي تقدمها المنظمات في سلات غذائية تشمل قارورة زيت لكل شخصين وأرز وحليب لكنها لا تكفي لأسبوع واحد، وليست جميع العوائل هنا داخل المخيم تحصل على هذه السلات.

(صورة من داخل مخيم قوشتبه للاجئين السوريين في العراق)

 ابتزاز الفيزا ورهن منازل السوريين

السوريون في بغداد وجنوب العراق تختلف أوضاعهم عن المتواجدين في مخيمات اللجوء، حيث يواجهون صعوبات أكبر وتعقيدات أكثر في الحصول على سمات دخول وملاحقات داخل العراق بعد نفاذ مدة الإقامة، والمشهد يختلف تماماً عما موجود في شمال العراق في إقليم كوردستان.

وتفرض معظم الدول العربية تأشيرةً على دخول السوريين إلى أراضيها، كما يواجه السوريون تعقيدات في تحقيق شروط الحصول على تلك التاشيرة.

ويروي ياسر، شاب سوري يعمل في بغداد أنّ “الحصول على فيزا لدخول العراق في غاية الصعوبة بالنسبة لنا وباتت تجارة وليست مساعدة إنسانية”.

“وتكلف الفيزا فقط للدخول إلى بغداد ما يقارب (١٥٠٠ دولار أميركي) للشخص الواحد، وهذه المبالغ بالنسبة إلى الوضع السوري المتردي جداً كبيرة، حيث أن أغلب السوريين الذين يقدمون إلى العراق يرهنون منازلهم أو يبيعونها في بعض الأحيان للحصول على فيزا لدخول العراق أما الفيزا (تأشيرة الدخول) السنوية فتصل الى (٢٣٠٠ دولار أميركي) وهذه مبالغ كبيرة جداً على السوريين ونتعرض للابتزاز والسمسرة غالباً في هذا الأمر”، حسب ياسر.

ويكمل “أغلب السوريين بعد دخولهم إلى بغداد لا يحصلون على عمل مباشرةً، وحتى بعد أن يجدوا عملاً تبدأ لديهم مشكلة أخرى هي نفاذ مدة الإقامة الشهرية، ليواجه مجدداً معضلة تجديد إقامته ما يضطره إلى التهرب من تجديدها والعمل بطرق غير شرعية في بعض المحال، ومن يكون سيء الحظ تلقي القبض عليه قوات الأمن العراقية وتعمل على تسفيره إلى سوريا”.

استغلال السوريين في بغداد

ويتعرض بعض السوريين إلى الابتزاز والاستغلال من قبل بعض أرباب العمل.

ويقول ياسر إن العامل السوري قد يعمل بـ (٤٠٠ دولار أميركي شهرياً) وهذا مبلغٌ جيد، لكن صاحب العمل يستغله بالعمل لساعات طويلة لا تتناسب مع الأجرة، وتصل إلى 14 ساعة يومياً. “وفي بعض الأحيان يحتجز رب العمل الأوراق الثبوتية للعامل ويطالبه بتعويضه بما يعادل ثلاثة أضعاف أجره، أو لا يعطيه استحقاقاته المالية، في حال حصل خلاف بينهما، وينطبق ذلك حتى على النساء السوريات العاملات أيضاً”.

٢٤٠ ألف لاجئ سوري في الإقليم

من جانبها، بينت مفوضية اللاجئين التابعة إلى الأمم المتحدة في العراق حسب تصريح خاص، وعلى لسان الناطق الرسمي باسم مفوضية اللاجئين فراس الخطيب أن “ما يقارب أكثر من ٣٣٦ ألف لاجئ في العراق من بينهم ٢٤٠ ألف وثلاثمئة لاجئ سوري متواجدين في إقليم كوردستان”.

“وتقوم المفوضية بتقديم الخدمات والمساعدات فور دخول كل لاجئ إلى العراق وتقضمن إقامته وحمايته قانونياً ومنح ترحيله إلى بلده، وهذا ضمن حق اللاجئين بالإقامة والعمل والحياة والتعليم والصحة، وكل هذا نقدمه داخل المخيمات الموجودة في إقليم كوردستان العراق”، حسب الخطيب.

وبين الخطيب أنّ “المفوضية دعمت 13 مستشفى في عموم المحافظات العراقية، ومن بينها في إقليم كوردستان بتجهيز غرف خاصة بالعناية المركزة لمواجهة الفيروس بالإضافة إلى استفادة اللاجئين منها والمجتمع المضيف لهم على حد سواء، وهذه الخطة خمسية في العراق وستشمل دعم الخدمات العامة لمساعدة اللاجئين”.

أما بخصوص المساعدات المالية يقول الخطيب “قدمنا مساعدات مالية لأكثر من ٦٥% من اللاجئين أثناء كوفيد١٩ وتلقت كل أسرة ما يقارب (٢٨٠ ألف دينار عراقي) أي ما يعادل ٢٠٠ دولار أمريكي، دعماً لهم لشراء مستلزمات الوقاية الصحية وحمايةً لهم و لعوائلهم من الإصابة”.

“أما الأسر الأشد عوزاً كما نطلق عليها فقد تلقت مساعدات نقدية متعددة الأغراض تعطى بشكل مستمر خلال جائحة كورونا حتى إعداد هذا التحقيق، تبلغ ٢٥٠ دولار لكل عائلة خلال ١٢ شهر في العام، كذلك نقدم مبلغ دفعتين من المساعدات مع بداية فصل الشتاء”، حسب الخطيب.

ويؤكد الخطيب تسليم العائلات في المخيمات مساعدات عينية وطبية، منها افتتاح عيادات طبية هناك.

وتلقى ما يقارب أكثر من ١٢ ألف لاجئ دعماً نفسياً واجتماعياً وصحياً وتم فتح عيادات صحية خلال فترات جائحة كورونا، فيما شمل ثلاثة آلاف لاجئ بخدمات التسجيل، وأكثر من تسعة آلاف آخرين تلقوا مساعدات قانونية في جميع المجالات، وأكثر من ٦٥ % من اللاجئين السوريين هم خارج المخيمات أغلبهم يسكنون المنازل والأحياء السكنية في إقليم كوردستان، إما مع أقاربهم أو يستأجرون منازل، حسب مسؤول المفوضية.

مهاجرون وليس لاجئين؟

من الجانب القانوني لتواجد اللاجئين السوريين على الأراضي العراقية، يوضح مدير وحدة حقوق الانسان في نقابة المحاميين العراقيين، صفاء اللامي، أنّ “الحكومة العراقية تعاملت مع وضع اللاجئين السوريين بعد أن دخلوا الأراضي العراقية على أنهم مهاجرين وليسوا لاجئين كون العراق لم ينضم إلى الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين الدوليين لعام ١٩٥٩ وبدورنا كنقابة محاميين لا زلنا نطالب بانضمام العراق إلى هذه الاتفاقية.

أنجز هذا التقرير بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية، سراج، وبدعم من شبكة الصحفيين الدوليين (icfj)، وينشر بالتعاون مع راديو روزنة.

اترك تعليقًا

التسجيل غير مطلوب



بقيامك بالتعليق فإنك تقبل سياسة الخصوصية

لا يوجد تعليقات