حازم عوض – قاسيون
ربما لم يعلم «سليم»، وهو اسم مستعار بناءً على طلب صاحب القصة، أنه حينما وجد تلك الرضيعة، بعمر الساعات، مرمية قرب حاوية قمامة داخل كيس أسود في أحد أحياء دمشق القديمة، سيفتح باب الجدل حول قضية وصلت حد تبادل الاتهامات بين مشفى التوليد وقسم القنوات، حول 6 حالات أخيرة لتوليد نساء دون توثيق العناوين وأرقام الهواتف في السجلات، مايعني مصيراً مجهولاً لأطفالهن.
قصة «سليم» بدأت حينما كان يمشي مساءً حوالي الساعة الثامنة في أحد أحياء دمشق القديمة، وسمع صوتاً يخرج من كيس قمامة، تبين لاحقاً أنه يحوي رضيعة بعمر الساعات، تم توليدها «خارج المشفى كون مياه الصدر لم تسحب منها بعد، عدا عن أنها لم تغسل من مخلفات الولادة»، على حد تعبيره.
«لقيطة» في لحن الحياة
«سليم» الذي فضل عدم ذكر اسمه واسم الحي الذي وجد به الرضيعة، روى تفاصيلاً مؤلمة عن حادثة لا تمت للإنسانية بصلة، انتهت بتسليم الرضيعة لإحدى دور الأيتام بدمشق يدعى «لحن الحياة»، كـ»لقيطة» مجهولة النسب والسبب، جاءت إلى الحياة في وقت الحرب دون ذنب.
عندما توجه «سليم» إلى المخفر في المنطقة، أكد له أن هذه الحادثة هي الثانية خلال أيام وفقاً لروايته، ما أكده شيخ يدعى عبد الرزاق المؤنس في حديث إذاعي، مشيراً إلى وجود حالتين مشابهتين لرمي رضع في «أحياء دمشق الضيقة» خلال يومي 14 و15 آذار الجاري.
ماذا يحدث في مشفى التوليد؟
العقيد رزق قاسم، رئيس قسم القنوات، نفى تكرار أكثر من حادثة واحدة على الأقل ضمن المنطقة المسؤول عنها، وأكد في حديث مع إذاعة ميلودي اف ام أنه شهد حادثة واحدة منذ بداية العام الجاري لرمي طفلة قرب القمامة في دمشق القديمة، لكن حديث رزق الإذاعي وصل إلى حد اتهام «مشفى التوليد الجامعي بإهمال سجلات الأرشيف التوثيقية» على حد تعبيره، وقد تبين ذلك حين عاودت الشرطة مراجعة المشافي، علّهم يعرفون شيئاً عن أهل الرضيعة.
لم ينف رزق وجود «عصابة» لتوليد نساء دون توثيق الولادات للحصول على الرضع، لكنه لم يؤكد ذلك أيضاً، قائلا ً «القضية برسم مشفى التوليد الجامعي بدمشق»، وأضاف «عند رجوع القسم «إلى مشفى التوليد الجامعي بدمشق، وجدنا 6 حالات ولادة سُجلت أسماءها فقط دون ذكر العناوين والهواتف، وهذا كان سيئاً بالنسبة لنا، وخاصةً عندما علمنا كمّ الإهمال في أرشيف المشفى التوثيقي».
وتابع العقيد، الذي رجح احتمال رمي الطفلة التي وجدت مؤخراً إلى «الهروب من واقعة زنى»،ـ أنه «عندما حاول عناصر الشرطة الرجوع لكاميرات المراقبة في المشفى وجدناها معطلة».
مدير مشفى التوليد الجامعي، بشار الكردي، نفى في الأسبوع التالي وعبر إذاعة ميلودي ذاتها، صحة اتهامات رئيس قسم شرطة القنوات، وقال إن الحادثة الأخيرة التي استقبل بها المشفى رضيعاً مجهول النسب، هي لرضيع/ة وجد في الشارع، واستضافه المشفى ليومين بعد أن جلبه قسم القنوات بحالة صحية صعبة.
وأشار إلى أن المشفى يقوم بعدة خطوات لتوثيق الحالات التي تولد داخله قائلاً «لدينا بصمة قدم للمولود الجديد، ونقوم بفرز أسوارة توضع بيده يكتب عليها اسمه واسم أمه، لكي تبقى علاماً له إذا فُقِد»، مؤكداً أن «عملية الولادة لا تتم إلا بإبراز هوية الأم ودفتر العائلة وتسجيل بياناتها كافة، قبل الدخول للمشفى للولادة، باستثناء الحالات الإسعافية التي تتم بها عملية التوثيق عقب الولادة.”
من يتلاعب بكاميرات المراقبة ولماذا؟
وأضاف «عندما لا تتوافر الأوراق الثبوتية من بطاقة شخصية ودفتر عائلة، يتم إحالة القضية إلى مخفر شرطة المرجة مباشرة».
وتابع الكردي «أساساً، ليس لدينا كاميرات في غرف الولادة، ولايمكن أن تحدث عملية ولادة في المشفى دون أن توثق في المستشفى في السجلات»، مضيفاً «أنا كمدير للمشفى، مع مدير البصمات والمدير التنفيذي للمشفى، نتابع الكاميرات كفريق متكامل، ونرصد أي شيء يدخل ويخرج، ونبلغ الجهات المختصة دورياً بكل جديد».
وأكد مدير عام مشفى التوليد، أنه تم ضبط حالات لمحاولة التلاعب بالكاميرات سابقاً، كالعمل على حرفها من الاتجاه الموجهة نحوه لغايات معينة لم يحددها بوضوح!، مشيراً في ذات الوقت إلى قيام قسم شرطة المرجة بعض الأحيان بمراجعة الكاميرات لمحاولة كشف حالات احتيال قد يقوم بها أشخاص عبر إيهام المرضى بإمكانية تسريع دخولهم إلى المشفى لقاء مبلغ معين، علماً أن الولادة مجانية 100% في المشفى.
مدير المشفى الذي بدا خلال حديثه أنه غير مطّلع تماماً على ماقام به عناصر شرطة قسم القنوات في المشفى، أكد أنه لا يمكن الاستغناء تماماً عن الأرشيف الورقي، الذي قد يكون قابلاً للتلاعب بعض الأحيان، مقابل الأرشيف التوثيقي الإلكتروني، مشدداً على أن تعامل المشفى يكون دائماً مع قسم شرطة المرجة، وباقي الأقسام بحاجة إلى مذكرة في حال أرادوا العودة إلى الكاميرات والسجلات.
ماذا لو وقعوا بأيدي تجار البشر؟
وبعيداً عن الاتهامات التي تتعلق بقضية الرضيعة هذه، فقد كان من الممكن أن يكون مصيرها ومصير الـ6 أطفال مجهولي العناوين، إن صح حديث قسم شرطة القنوات، بيد أحد تجار البشر أو تجار الأعضاء الذين وجدوا بالأطفال السوريين، وخاصة اللاجئين منهم، سلعة تجارية.
مؤخراً، نشر الصحافي الأميركي «فرانكلين لامب» مقالاً في موقع Information Clearing House بعنوان «اشتريت 4 أطفال سوريين»، يتحدث خلاله عن قيامه بشراء أطفال سوريين لاجئين في لبنان بمبلغ 600 دولار فقط بالقرب من شاطئ الرملة البيضاء، «إثنان منهم بعمر الخمس سنوات وهما فتاتان توأمان، وصبي بعمر سنة وبضعة أشهر والأخ الأكبر بعمر ثماني سنوات».
لم يستطع الكاتب التأكد من أن السيدة التي باعته الأطفال، هل هي صادقة في روايتها أم أنها عضواً في عصابات الاتجار بالبشر، حيث أكدت أنها أنها كانت جارة لأهل الأطفال في حلب، وأن الأهل فقدوا حياتهم هناك، وهي من أنقذت الأطفال.
المرأة الموجودة في لبنان بأسلوب غير شرعي، لم تسجل بمفوضية اللاجئين، وادعت للصحفي الأمريكي أنه «لم تعد قادرة على رعاية الأطفال، وفي ذات الوقت لا تريد تركهم في الشارع يرتجفون»، وهنا عرضت عليه أن تعطيه الأطفال الأربعة مقابل 1000 دولار، أو اختيار أي طفل منهم مقابل 250 دولاراً لكل واحد.
بعد نقاش، قبلت المرأة بمبلغ 600 دولار لجميع الأطفال، وحصراً أن يكون الدفع بالدولار وليس أية عملة سواها، وأكدت أنها ستستخدم المبلغ للذهاب إلى تركيا لمحاولة الوصول إلى جزيرة ليبوس باليونان، ومن ثم إلى أوروبا.
لامب أخذ الأطفال إلى شقته في لبنان لتعتني بهم صديقته في السكن، وبعد تأمين بعض الرعاية لهم، قام بعدة اتصالات بمنظمات إنسانية للحصول على مساعدة للأطفال، لكن دون جدوى!، حسب المقال.
الحرب أعدمت الحلول!
بغض النظر عن الحادثة التي سردها الصحفي الأمريكي في مقاله والغايات والمبررات من ورائها، والتي بحدها الأدنى ما هي إلا شكل من أشكال الإتجار بالكارثة السورية على المستوى الإنساني، عبر المنابر الإعلامية، فإن ظروف الحرب المأساوية والكارثة الإنسانية على مختلف الأصعدة، قد تجبر أماً على التخلي عن طفلها خوفاً عليه من الجوع، لعدم قدرتها على تأمين ملبس ومأكل، وباقي المستلزمات الضرورية لاستمرار حياة أي رضيع، كالطبابة والرعاية وما إلى ذلك، وقد تجبر أماً أيضاً على رمي طفلها في القمامة خوفاً من «فضيحة» في مجتمع قد يعاقبها بالقتل وطفلها لتكون نهايتهما القبر، وقد باتت هذه الحوادث جزءاً من واقع معاش لا يجب تغييبه أو القفز عليه، وبالتالي يجب البحث الجدي عن حلول جدية لها.
إن انعدام الحلول أمام السوريين الذين باتوا يعانون الفقر القاتل، ويعيشون الكارثة الإنسانية بأبشع صورها، سواء في مخيمات اللجوء أو في مدن النزوح داخلاً، قد يدفع بعضهم إلى قرارات غير إنسانية رغماً عنهم، كالمخاطرة بحياة أطفالهم في البحار وتسليم مصيرهم لتجار الموت، أو اللجوء إلى حلول قد تكون أسوأ بكثير، ما يؤكد عملياً أهمية المضي بالحل السياسي الشامل الذي وحده من سيخرج السوريين من عنق الزجاجة التي تخنقهم ببطء.