تحقيق: جبريل ديوب
خلال صيف 2016 وفي مشهد معاكس يشبه لجوء السوريين إلى دول الجوار هرباً من الحرب، اجتازت مئات العائلات العراقية الحدود إلى شرقي سوريا، وانتهى بها المطاف في مخيماتٍ للاجئين أنشئت على عجل قرب الحدود في محافظة الحسكة، وخاصة عقب الحملة العسكرية التي شنتها قوات الحشد الشعبي والحكومة العراقية، ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بدعم من التحالف الدولي.
معظم العائلات الهاربة من جحيم الاقتتال على الجانب العراقي من الحدود وقتها وفدت إلى مخيمات منطقة المالكية، وبالتحديد في مخيم الهول في الحسكة، أقصى شمال شرقي سوريا، بعدما تجاوزت الحدود مشياً على الأقدام، على شكل جماعات ضمت أطفالاً ونساءً، وكبار سن.
وازداد عدد العائلات النازحة من العراق حتى نهاية 2018 وجميعهم قادمون من محافظة الموصل، ومدينتي الربيعة والفلوجة، وفق رواية غنّام الحمد، وهو من ساكني جنوب الحسكة المنطقة التي تستقبل اللاجئين منذ خمس سنوات.
وطيس المعارك، وانتشار تنظيم الدولة على مساحات واسعة من العراق وسوريا تعادل مساحة المملكة المتحدة، ترك أثراً كبيراً على تحركات السكان المحليين السوريين والعراقيين، والذين نزحوا و اضطروا لتغيير سكناهم، من العراق باتجاه سوريا عبر الحدود البرية وبالعكس، ومنهم من عبر الحدود التركية شمالاً باتجاه عمق الاتحاد الأوروبي.
سيطر تنظيم داعش على حوالي نصف مساحة العراق بين حزيران/يونيو 2014 وكانون الأول/ديسمبر 2017، على معظم مساحة محافظة نينوى، ومناطق واسعة في محافظة صلاح الدين، ومناطق في محافظة ديالى، وعلى أجزاء من محافظة كركوك.
كما سيطر على مدن في محافظة الأنبار الحدودية مع سوريا وأكبر محافظات العراق مساحة، قبل أن يعلن رئيس الوزراء العراقي الأسبق، حيدر العبادي، في كانون الأول/ديسمبر 2017 القضاء على التنظيم بشكل كامل في العراق.
أطفال تحت التهديد!
أُنشئ مخيم الهول في التسعينيات من القرن الماضي لاستيعاب خمسة آلاف لاجئ عراقي، في أعقاب حرب الخليج الأولى ١٩٩١، حيث أنشأت المخيم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
منطقة الحسكة تخضع حالياً لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المدعومة من التحالف الدولي.
اليوم، يؤوي المخيم 62 ألفاً و287 شخصاً، حسب الإحصائية الأخيرة لإدارة المخيم ويشكل العراقيين حوالي 43% من سكانه، وحوالي عشرة آلاف من 30 إلى 40 دولة أخرى.
أم محمد، ( 63 عاماً) عجوز عراقية لاجئة في مخيم الهول، نزحت السيدة من مدينة الموصل بداية العام 2017 هي وأولادها وأحفادها خلال عمليات استعادة السيطرة الأخيرة على المدينة من مسلحي تنظيم داعش. لا تستطيع السيدة السيرَ على قدميها وكل ما تتمناه هو الخلاص والخروج من المخيم والخلاص، على حد تعبيرها.
وتضيف: “أمنيتي أخلص من المخيم و مشاكله، وأرجع الديره، يكفي القهر والخوف والجوع يلي عشناه، أتمنى أن أموت ببيتي وبلدي” .
وكان خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أعربوا في 9 شباط/ فبراير الماضي، عن قلقهم من تدهور الوضع الأمني والإنساني في مخيمات الهول والروج في شمال شرقي سوريا.
وقال ستيفان دوجاريك، الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحافي منذ أسابيع: “إننا على وجه الخصوص قلقون إزاء ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في عموم سوريا بما فيها مخيم الهول”.
مضيفاً أنه تم الكشف حتى الآن عن 39 حالة إصابة بالفيروس، والإبلاغ عن ست وفيات في مخيم الهول.
وحذر المسؤول الأممي، بحسب ما نقل موقع الأمم المتحدة من أن انتشار المرض بشكل أكبر في المخيم سيكون “مدمراً بسبب وضع العائلات الهش فيه”.
وشدد دوجاريك على أن تكون أي عودة لبلد ثالث طوعية وآمنة ومستنيرة وكريمة، وكذلك على الحاجة للوصول الإنساني الكامل والمنتظم إلى سكان المخيم البالغ عددهم أكثر من 60 ألفاً، لتلقي الخدمات الأساسية.
أما فيما يتعلق بوضع الأطفال قال دوجاريك “يعيش أكثر من 31 ألف طفل في مخيم الهول، أكثر من نصف عدد سكان المخيم، هؤلاء دون سن 12عاماً، ولا يجب أن يكبر أي طفل في مكان مثل مخيم الهول”.
وفي آب/ أغسطس من العام الماضي، كشفت منظمة يونسف عن وفاة ثمانية أطفال دون سن الخامسة في المخيم، وذلك في أقل من أسبوع واحد، بسبب الجفاف والإسهال وفشل القلب والنزيف الداخلي ونقص السكر في الدم.
ووفقاً لما نشرته المنظمة الأممية في تقريرها فإن أربع حالات وفاة نتجت عن مضاعفات صحية متعلقة بسوء التغذية.
الخوف من السجن!
الخوف من الحشدِ الشعبي والانتقام والسَجن تتصدر هواجس العراقيين الراغبين بالعودة إلى بلدهم ويطالبُ اللاجئون بجهة ضامنة، توفرُ لهم هناك إقامةً آمنة، كما يقولون.
وشهد العامان الماضيان مباحثات برعاية الأمم المتحدة بشأن مصير عائلات “داعش” وضرورة إعادتها إلى العراق، وكان الاتفاق على بناء مخيم لاستقبالها، وبدء برنامج بدعم دولي وأممي لإعادة تأهيل الأطفال والنساء، وخصوصاً المتأثرين منهم بالأفكار المتطرفة.
وفي السابع من نيسان/ أبريل الماضي، قالت إدارة مخيم الهول إنها تنوي استئناف إجلاء مئات العائلات الحاملة للجنسية العراقية من المخيم.
وكشفت مصادر سياسية وحكومية عراقية في بغداد في الثامن من آيار/ مايو الحالي عن قيام وفد أمني عراقي بدراسة ملف تلك العائلات وتدقيقها أمنياً خلال زيارته بالتنسيق مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن للأراضي السورية التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) حيث يقع مخيم الهول.
وأفادت وكالة هاوار، أن الحكومة العراقية قبلت إجلاء 500 عائلة من رعاياها من الهول إلى الأراضي العراقية الذين سبق أن رُفعت معلوماتهم للحكومة العراقية منذ 2018.
وأوضحت الوكالة أن استئناف رحلات العراقيين جاء بعد سنتين من الانقطاع، نتيجة رفض الحكومة العراقية إجلاء رعاياها.
وكان المكتب الإعلامي لمستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، ذكر في بيان إن “استمرار وضع المخيم على ما هو عليه يشكل “قنبلة موقوتة”، لافتاً إلى وجود 20 ألف طفل داخل المخيم يحملون الجنسية العراقية.
يضم مخيم الهول:
– 21 منشأة صحية، و2.2% من الأطفال فيه يعانون من أمراض مزمنة.
– 48 بالمئة من السكان يواجهون عوائق للوصول إلى الرعاية الطبية.
– كل 21 شخصاً يتشاركون مرحاضاً.
دروع بشرية
إلى مخيم المبروكة، الواقع غرب مدينة رأس العين/سري كانييه في محافظة الحسكة، والذي يضم ٥ آلاف نازح، نزحت هند يوسف أغوات (34 عاماً) من مدينة الموصل أيضاً نتيجة المعارك التي شهدتها المدينة.
ويبعد المخيم عن مركز المحافظة نحو 40 كيلو متراً باتجاه الغرب، وقد تمّ إنشاؤه في 28 كانون الثاني/يناير 2016 من قبل الإدارة الذاتية، التي كانت تتولى إدارته بإشراف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، قبل أن يتم نقل قاطنيه إلى “مخيم العريشة” خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، عقب شنّ القوات التركية بمساندة من فصائل “الجيش الوطني السوري” التابعة للمعارضة المسلّحة، عملية عسكرية في المنطقة، بحسب تقرير نشرته منظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة.
تعيش السيدة حالها كحال آلاف العراقيين في سوريا أوضاعاً صعبة في خيام صغيرة وتفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، وتطالب بالعودة إلى الديار.
تقول: “إن العراقيين هربوا بعد خوفهم من أن يصبحوا دروعاً بشرية لتنظيم داعش أو ضحية القصف الذي استهدف المدينة، حيث هربت مئات العائلات إلى سوريا”.
ويكشف عدنان العبيدي، رئيس المجلس العراقي للاجئي الهول، في تصريح لمعد التقرير أنّ أكثر من 2000 عائلة تقريباً عددهم نحو 17 ألف، حسب الإحصائية المؤخرة راغبين في العودة للعراق.
ويضيف : “هم جاهزون للعودة ولكن بانتظار أوامر الحكومة العراقية”، وهو ما لم يحصل.
و يطالب اللاجئون العراقيون القاطنين في مخيم الهول شمال شرقي سوريا، حكومة بلادهم بتهيئة مناخ آمن لإعادتهم إلى ديارهم بعد سنوات من خروجهم هرباً من الحرب، مشيرين إلى أن أوضاعهم سيئة جداً في المخيمات، كما أنهم قلقون على مصيرهم، مع تزايد حالات القتل بحق اللاجئين العراقيين.
قتلى في المخيم
رغم الوعود المستمرة بإجلاء وعودة العراقيين من مخيم الهول إلى بلادهم إلا أن أم حسن، وهي سيدة عراقية خمسينية وأم لخمسة أطفال من قاطني المخيم، نزحت من مدينة الموصل عقب بدء العمليات العسكرية لاستعادة السيطرة على المدينة من تنظيم داعش.
تقول السيدة: “إن الأهالي يتخوفون من تسليمهم لقوات الحشد الشعبي العراقي المدعوم من إيران، وهو فصيل مسلح عُرف بانتهاكات على أساس طائفي في العراق، بذريعة تأييد المواطنين لتنظيم داعش”.
وتضيف: “أنا وعشرات النساء والعائلات هنا يراودنا كابوس يومي بأن يتم تسليمنا لهذه الميليشيات التي تمارس القتل لكل ما يعود للعراق بحجة أننا من تنظيم داعش. نحن مدنيين و هربنا من المعارك ونريد العيش، وللأسف الحكومة العراقية لا تقدم لنا أي ضمانات للعودة”.
ووجهت السيدة خلال حديثها مطالبات ومناشدات للحكومة العراقية بتقديم ضمانات حقيقة وطرد الميليشيات الإيرانية من مدنهم لكي يعودوا إليها، على حد وصفها.
ووفق أحدث إحصائية لإدارة مخيم الهول يقطنه حالياً 8256 عائلة من الجنسية العراقية.
ويشهد المخيم في الأشهر الأخيرة حوادث أمنية وعمليات قتل وتصفية وخاصة في القسم المخصص للعراقيين في المخيم.
وقال مسؤول مكتب العلاقات التابع “للإدارة الذاتية” الكردية (تشكّلت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013 وتعرّف نفسها بأنّها منطقة حكم ذاتي، وتُدير مناطق شمال شرق سوريا) في مخيم الهول، جابر شيخ مصطفى في ٣ آذار/ مارس الماضي إنه ومنذ منذ بداية العام بلغت إحصائية القتلى 31 شخصاً، ستة منهم قتلوا بأداة حادة والبقية بطلقات من مسدسات”. موضحاً أن “غالبية القتلى من العراقيين”.
عقبات أمام العائدين
تعيش صابرين ( 32 عاماً)، في خيمة صغيرة مع ابنتيها في مخيم الهول، بعدما نزحت من مدينة الأنبار العراقية. وصلت السيدة إلى سوريا بعد مقتل زوجها في العراق بقصف جوي نهاية العام 2016.
ورغم محاولات السيدة العودة إلى بلادها لكنها واجهت صعوبات لا تقل عن تلك التي تعيشها داخل المخيم من انعدام المساعدات الغذائية ومقومات الحياة، تقول: “حاولت أن وعائلتي العودة للعراق منذ أشهر إلا أننا تعرضنا للسلب والسرقة لكل ما نمتلك من وثائق شخصية ومال، كما تعرضنا للضرب من قبل فصائل من القوات العراقية وكتائب الامام علي وطلبوا منا العودة إلى سوريا”.
وتضيف: “أنا هنا منذ أربع سنوات، يتم النظر إلينا في سوريا والعراق على أننا مجرمين، ولكن نحن مدنين هربنا من الحرب وهمنا الوحيد هو أن نعيش بكرامة. للأسف الحكومة العراقية لا تقدم أي ضمانات لعودتنا ومن يسيطر على العراق هم الميليشيات، وفي سوريا لن نتلقى أي مساعدات ولا نستطيع الخروج من هذه المخيمات التي هي بمثابة محتجر ومعتقل للاجئيين العراقيين”.
وبحسب منير محمد عضو مكتب الخروج في مخيم الهول كان من المفترض أن تغادر أكثر من من مئة عائلة عراقيّة مخيّم الهول متجهة نحو العراق.
ورغم أن العائلات التي تقرر نقلها هي المصنفة على أنها بعيدة عن تنظيم “داعش” ولا علاقة لأفرادها به ولا يمثلون خطراً، لكن بسبب الضغوط التي وصلت من الميليشيات العراقية إلى التهديد باقتحام مكان وصول هذه العائلات والاعتداء على تلك العائلات من قبل المليشيات عمدت الحكومة العراقية إلى إلغاء الخطوة.
ورغم التصريحات المتتالية عن استعادة العراقيين إلا أنّ مصادر سياسية وحكومية عراقية في بغداد، كشفت أنّ ضغوطاً مارستها قوى سياسية وفصائل مسلحة حليفة لطهران على الحكومة، كانت سبباً وراء وقف إجراءات نقل مئات العائلات العراقية الموجودة في مخيم الهول.
وكان من المنتظر أن تصل 500 عائلة من مخيم الهول إلى محافظة نينوى، كدفعة أولى، بعد تحضير السلطات في بغداد مخيم “الجدعة”، جنوبي الموصل مكاناً لاستقرارهم، وفقاً لتفاهمات مع الأمم المتحدة والتحالف الدولي اللذين يسعيان إلى تسوية ملف الهول السوري، وتحديداً العراقيين الذين يمثلون أغلبية فيه، لكن هذا لم يحصل حتى الآن.
وفي ظلّ التجاهل الدولي لمصير سكان المخيميّن، لا يعرف اللاجئون العراقيون في سورية متى تحين فرصة العودة، لكن المؤكد أنهم بمثابة محتجزين لا أحد يريدهم.
في وقت تستمر سلطات الأمر الواقع شرقي سوريا مطالبة دول العالم باستعادة مواطنيهم المحتجزين في هذين المخيّمين، إلّا أنّه لم يجر سوى استعادة عدد قليل من الأطفال استقبلتهم دول قليلة مثل أستراليا وكندا، في الوقت الذي سمحت فيه إدارة المخيم بخروج المواطنين السوريين من المخيم وعودتهم إلى مدنهم وبلداتهم.
- تم إنجاز هذه القصة بإشراف الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – “سراج”، ونشر بدعم من شبكة الصحفيين الدوليين IJNET، وبالشراكة مع مؤسسة روزنة للاعلام.