كتب: أحمد حاج حمدو
خبرٌ موحّد نشرته مؤخراً معظم وسائل الإعلام السورية والعراقية، مفاده أن “القوات الأمنية العراقية قتلت دباً شارداً في مدينة الرمادي وعلى الحدود السورية- العراقية بعد فراره من سوريا باتجاه العراق، نتيجة المعارك المحتدمة بين قوات سوريا الديموقراطية “قسد” وتنظيم “داعش”.
ترافقت هذه الأخبار مع انتشار صورٍ على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر دبّاً بنياً ملقى على الأرض، مقتولاً والدماء تملأ وجهه وجسده، وتحيط به مجموعة عسكريين مع أسلحتهم، وقيل إن القوات الأمنية العراقية قتلت الدب البني السوري المهدّد بالانقراض.
الرواية الإعلامية العراقية المبكرة التي نُشرت في ليل التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، أوضحت أن “قوات الفوج التاسع التابعة لشرطة الأنبار تمكّنت من قتل الدب”.
بمجرّد مرور ثلاثة أيام على الحادثة، ضجّت معظم وسائل الإعلام العراقية والسورية بخبر مقتل الدب، وذكرت هذه الوسائل أن الصور المنشورة، تعود إلى “الدب البني السوري” النادر شبه المنقرض، فهل كان الدب القتيل من فصيلة “البُني السوري” حقّاً؟
حقّق موقع “درج”، بالتعاون مع “وحدة سراج السورية للصحافة الاستقصائية”، في رواية ما قيل إنّه “مقتل الدب البني السوري” المهدّد بالانقراض في محافظة الأنبار العراقية قبل أيام، وذلك من خلال تتبّع المسارين الزماني والمكاني للدب الذي يفترض أنه نادر ومهدد بالانقراض، ومقاطعة المعلومات التي نُشرت عبر المصادر المفتوحة على الانترنت، فضلاً عن مقابلة خبراء متخصين في الحياة البرية وعلم الأحياء، وكلهم شكّكوا في رواية أن يكون هذا الدب سورياً، ومهدداً بالإنقراض.
مسار ودورة حياة
شكّل ظهور ما يفترض أنه “الدب البني السوري” في العراق قتيلاً، ما يشبه الصدمة للخبراء والباحثين في الحياة البرية، في حين شكك بعضهم في أن يكون هذا الدب سورياً أصلاً ومن الفصيل النادر.
وفقاً لتتبّع مسار الدب السوري المهدد بالانقراض وفق ما تطالعنا عليه الدوريات العلمية والبحثية المختصة، فإن هناك معطيات عدة تدحض رواية أن يكون هذا الدب سورياً، وتأتي على رأسها دورة حياة هذا الدب، إذ إنّه يتكاثر في شهر أيار/ مايو، ويكون خلال هذه الفترة في حالة ثبات في مناطق مغلقة كالكهوف، كما أنه غالباً يرفض العيش أو الاستقرار في المناطق الصحراوية المستوية والتي لا تتوفّر فيها المياه والأعشاب اللازمة لحياته.
عرضنا صور الدب القتيل على الحدود السورية- العراقية، على ديف غارشليس، وهو الرئيس المشارك لمجموعة الدببة المتخصّصة IUCN Bear Specialist، من الولايات المتحدة، والمهتم بالحياة البرية في سوريا، وله كتابات منشورة حول ذلك، فشكّك بأن يكون هذا الدب سورياً قائلاً: “أعتقد أن مصدره إقليم كردستان العراق، ولا سيما أنّهم أطلقوا أخيراً بعض الدببة الأسيرة هناك، وقُتل بعضها بسبب اقترابها من الناس”.
وأوضح أنّه إذا كان هذا الدب مصدره الجانب العراقي فإنّه لن يكون دبّاً سورياً.
يتّفق مع غارشيلس، الباحث العراقي في الحياة البرية، الليث العبيدي، المقيم في جنوب العراق والمهتم بالحياة البرية قائلاً: “إن الدب الذي قُتل في الأراضي العراقية لم يكن مصدره سورياً، ولكن ليس كردستان العراق أيضاً، لأنَّ أعداد الدببة محدودة هناك والمسافة من كردستان نحو الأنبار (جنوباً) بعيدة جداً”.
وأوضح العبيدي الذي سبق أن قام بأبحاث عن الدببة، أن الدب القتيل غالباً ما يكون قد هرب من أحد المزارع المحلية أو المنزلية ليتم قتله بعدها.
وأشار العبيدي، إلى أن المناطق الحدودية بين سوريا والعراق من المستحيل أن تكون حاضنة للدببة الطبيعية كونها مناطق صحراوية.
وتمتد الحدود السورية- العراقية على طول 599 كيلومتراً، وتحاذي محافظة الأنبار العراقية من جهة الحدود السورية محافظة دير الزور، وإقليم كردستان العراق شمالاً، محافظة الحسكة السورية.
عن “الدب البُنّي السوري”
يُعتبر “الدب البني السوري” واحداً من سلالة “الدب البُنّي”، تم اختياره عام 2010، كحيوان العام، وذلك وفقاً لما أعلن مشروع حماية الحيوان في سوريا “سبانا”، بالتعاون مع وزارة الثقافة خلال الاحتفالية الرابعة لليوم العالمي للحيوان، وذلك على اعتبار أن “الدب البني السوري” يعيش في سوريا، ومهدد بالانقراض.
و”الدب السوري” إلى جانب “الهامستر السوري”، هما الحيوانان الوحيدان اللذان يحملان اسم “السوري”، وتُعتبر سوريا الموطن الأصلي لـ “الدب السوري”.
ويتركز الموطن الأساسي للدب البني السوري في المناطق الجبلية ولا سيما سلسلة جبال القلمون وجبال لبنان الشرقية، إضافة إلى مرتفعات الرمون ومرتفعات الجولان في جنوب سوريا، وتنحدر معظم سلالات الدببة في القوقاز من اختلاط الدب السوري والأوراسي، لكن الدب السوري من سلالة أصيلة.
عام 1969، أقرّت السلطات السورية منع صيد “الدب السوري” لحمايته من الانقراض، ولا سيما أنَّ هذا الحيوان نادر.
أما عن الصفات الجسدية، فيبلغ حجم رأس الدب البني السوري بين 30 و40 سنتيمتراً، وطوله نحو 150 سنتيمتراً، وغالباً ما يكون لونه بنياً أو رمادياً.
عودة الظهور بعد اليأس
كان معظم خبراء الحياة البيئية يعتبرون أن “الدب البني السوري” انقرض فعلاً من سوريا ولبنان وشمال فلسطين، لا سيما أنَّ آخر ظهورٍ له كان عام 1917، ولم يُشاهد بعدها أي أثر للدب السوري، مع اعتقاد الباحثين أنّه انقرض منذ عام 1950
ووفق موقع “الباحثون السوريون” هناك إجماع على أن الدببة في سورية غائبة منذ خمسين عاماً. ولكن عام 2004 ظهرت آثار له في قرية سنير جنوب سوريا، الأمر الذي أنعش الآمال بأن الدب موجود.
هذه الآمال ما لبثت أن تعزّزت عام 2015، بعد مشاهدة آثار أقدام “الدب السوري” في منطقة القلمون خلال عاصفة “زينة” التي ضربت المنطقة حينها.
وسُجّل أول ظهور بالفيديو للدب السوري في أواخر عام 2016، عندما رصد منظار ليلي مقطع فيديو لأنثى “الدب السوري” في منطقة جبلية حدودية بين سوريا ولبنان، وذلك على رغم أن الخبراء كانوا يحسمون انقراضه.
ويمثّل هذا الظهور الجديد لـ “الدب السوري” أنّه تمكّن من العيش طوال فترة الخمسين عاماً الماضية وتغلّب على ظروف الطبيعة، لكنه لم يتغلّب على الحرب.
ويقول ديف غارشليس: “هناك أنواع فرعية للدب البني، تسمى (الدب السوري) تاريخياً في تركيا وسوريا وإيران، إضافة إلى جبال القوقاز في روسيا وجورجيا وأرمينيا وآذربيجان”.
وبحسب اعتقاده فإن الدببة في سوريا تم القضاء عليها في منتصف الخمسينات، إنما شوهدت آثارها في مرات قليلة في أعوام 2004، 2011، 2015، و2016، ويؤكد أن هذه المشاهدات كانت كلها في غرب سوريا في مناطق قريبة من لبنان، وأن هذه الآثار قد تكون كلها لدب واحد.
الهروب من القفص
بحسب ما رصدنا في تتبع مسارات الدب القتيل والمفترض أنه من سلالة “الدب السوري” النادر والمهدد بالانقراض، وبحسب شهود عيان وسكان محليين في الجانب العراقي من الحدود في محافظة الأنبار ومدينة الرمادي، فإن مدنيين عراقيين شاهدوا دباً هارباً من مدينة الرمادي باتجاه نهر الفرات، وهو ما يتطابق مع روايات المختصّين بأن مصدر الدب ليس سورياً وليس آتياً من الأراضي السورية.
الصحافي العراقي سليمان الكبيسي، مدير وكالة “الأنبار نيوز” المعتمدة لدى نقابة الصحافيين العراقيين، يوضح أنّه تواصل مع الجهات الأمنية العراقية، التي أبلغته بدورها أن الدب كان في إحدى المزارع الكبيرة غرب الرمادي.
وأضاف الكبيسي، أن القوات الأمنية كانت تتوقّع أن يكون الدب حيواناً يهاجم البشر، لا سيما مع وقوع هجمات سابقة لحيوانات مفترسة في الفلوجة والرمادي، ما دفعهم إلى إطلاق النار عليه في منطقة “التأميم” جنوب غربي الرمادي، قبل أن يعرفوا أنّه دبّاً.
ونفى أن يكون الدب القتيل من فصيلة “الدب البني السوري”، وذلك نقلاً عن جهات أمنية عراقية.
وأكّد الكبيسي، أن مديرية بيئة الأنبار، توجّهت في صباح 31 تشرين الأول الماضي إلى “منتزه وحديقة الأرض السعيدة” في مدينة الرمادي، بعد تأكيد هروب الدب من ذلك المنتزه.
وعند استفسار فريق “بيئة الأنبار” عن الحادثة، تبيّن أن الدب فقد أولاده في القفص ما تسبّب بهربه من القفص باتجاه الجانب الآخر من المدينة، والذي تسيطر عليه القوات الأمنية العراقية، وذلك وفقاً لمالك المنتزه.
وبحسب ما نقل الكبيسي عن مديرية بيئة الأنبار، فإن الدب كان متوجّهاً بشكل هجومي نحو إحدى الدوريات الأمنية ما دفع عناصرها إلى قتله، لافتاً إلى أن الدب القتيل هو أنثى وأن صغارها ما زالت موجودة داخل المنتزه.
ومن خلال متابعة البحث حصلنا على صور للمنتزة الذي فرّت منه أنثى الدب، والتي قُتلت في وقتٍ لاحق وكان الظن أنها “دب بني سوري”.
وفي ظل نفي معظم الخبراء بأن يكون الدب سورياً، يُرجّح أن يكون الدب من فصيلة “الدب البني” والتي تحتوي أنواعاً عدة بخلاف “الدب البني السوري”، وخصوصاً أن حجم الدب القتيل كان أصغر من الحجم الاعتيادي للدب البني السوري، كما أنَّ فترة مقتله تزامنت مع فترة سباته الاعتيادية طيلة فترة الشتاء، فضلاً عن تركّز هذا النوع من الدببة عندما كانت موجودة بوضوح في سوريا، في جنوب البلاد وغربها باتجاه الحدود اللبنانية، واستحالة أن يكون قطع الأراضي السورية من أقصى غربها إلى أقصى شرقها.
تم إنجاز التقرير بالشراكة بين “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج” وموقع “درج“