تحقيق: أيمن مكية
في حي الميدان الشهير حلب، استيقظت والدة دانية (20 عاماً)، لتجد ابنتها معلقة بحبل في سقف غرفتها. فما القصة؟
يوم الخميس 10 شباط/ فبراير الماضي، عند الساعة 10.30 صباحاً، دخلت أمها إلى غرفتها لإيقاظها، ولم تعتقد أنها في هذا اليوم لن تتمكن من إيقاظها إلى الأبد.
تقول والدة دانية، التي لم يفارق صوتها الرعشة والبكاء وهي تتحدث لمعد التحقيق، “لا، لن أنسى هذه اللحظة ما حييت، تحديداً منذ بداية العام، تبدل حال دانية، وأصبحت تميل إلى الإنعزال والبقاء في غرفتها لساعات وغالباً تكون نائمة، إلى أن اكتشفت لجوئها إلى الحبوب المنومة”.
وفق الوالدة “دائماً، كانت تهرب أثناء نقاشنا أنا ووالدها وأخوها الأكبر عن المصروف والسبب ضيق الحال الذي نعيشه، وعدم استطاعتنا تأمين كل ما يلزم لها من ملابس، ومصاريف .. زوجي يعمل في أحد أفران الحي، ومدخوله بالكاد يكفينا، مع عمل ابني في مهنة الحدادة”.
بعد انتحار الشابة، أخبرت إحدى صديقاتها المقربين والدتها أنها كانت تقول لصديقاتها أنها كانت تفكر بالانتحار والتخلص من الفقر وعدم امتلاك مصروف كاف أو شراء ثياب جديدة كباقي الفتيات في الجامعة، لكن صديقاتها اعتقدن انها تمزح.
مصير دانية، لم يختلف عن مصير المدرسة الثلاثينية (ميساء د) التي ضجّت وسائل الإعلام المحلية شمال سوريا، بداية شهر أيلول / سبتمبر الماضي، بحادثة انتحارها.
فقدت السيدة حياتها في أحد مخيمات أطمة في محافظة إدلب، بتنشق الغاز، والسبب خلاف أسري مع زوجها.
ومآسي دانية وميسا ليستا مآسي معزولة، إذ تتردد حكايات انتحار كثيرة في مناطق سورية مختلفة، لكن الحرب والأزمة وضعف المتابعات تجعل من تقصي حقائق وأرقام عن الظاهرة بشكل دقيق أمراً مستحيلاً.
ماذا حصل بعد الثورة؟
بعد عام 2011، وبعد انطلاق الاحتجاجات السورية وما راقبها وأعقبها من قبضة أمنية قاسية وعنيفة، حصلت تغييرات هائلة في التركيبة الاجتماعية السورية تمثلت عبر نزوح وهجرة ولجوء داخل وخارج سوريا، وتحطّم لشبكة العلاقات الاجتماعية وخاصة تلك المرتبطة بشبكات العمل. ترافقت تلك المعطيات مع ارتفاع في معدلات الانتحار، علماً أن سوريا لم تكن في مراتب متقدمة عالمياً في أعداد المنتحرين. ومع صعوبة رصد الظاهرة بشكل دقيق بسبب تعقيدات الوضع السوري، رصد معد التحقيق معطيات في دمشق وادلب.
هناك اعتقاد ان الارقام المعلنة لاتعكس حقيقة وحجم الظاهرة، كما أشار مثلاً مسؤول توثيق حالات الانتحار في دائرة الضبوط العادية في محكمة ريف دمشق (كاتب ضبط جنائي)، لمعد التحقيق، إذ أكد أن الأرقام التي يتم التصريح عنها بأنها حالات انتحار هي أقل بكثير من الموجود. ونسب الانتحار والتخلص من الحياة سجلت ارتفاعاً غير مسبوق، وفق المدير العام للهيئة العامة للطب الشرعي في سوريا زاهر حجو، في تصريح لصحيفة الوطن في أيلول/ سبتمبر الماضي، تم تسجيل 116 حالة انتحار منذ بداية العام الجاري، بينهم 18 قاصراً.
ووفقاً لـ حجو، فإن نسب المنتحرين الذكور تفوق نسب الإناث، حيث بلغ عددهم 86، في حين بلغ عدد الإناث 30، مؤكداً أن محافظة حلب تصدرت المشهد في عدد حالات الانتحار بـ 23 حالة، تلتها محافظتا ريف دمشق واللاذقية؛ إذ سجّلت كل منهما 18 حالة.
على أنّ معظم من يقومون بفعل الانتحار على امتداد سوري، تكون أعمارهم في مرحلة الشباب بين 18 – 35 عاماً، تتوزع أماكن إقامتهم بين شمال غربي البلاد والعاصمة دمشق، ودول الجوار السوري (تركيا ولبنان)، وتنوعت طرق إقدامهم على الانتحار، وفي مقدمتها استخدام الأدوية عبر الجرعات الزائدة، والبعض لجأ إلى قطع شرايين اليد، أو استخدام جرعة زائدة من المخدرات.
حتى نهاية 2010، كانت سوريا تصنف بحسب منظمة الصحة العالمية، بأنها من الدول التي تشهد أقل معدلات الانتحار، مقارنة بغيرها من الدول حيث كانت في المرتبة 172 من أصل 176 دولة على مؤشر الانتحار وفق موقع world population review المتخصص بإحصاء البيانات الديموغرافية.
موت من دون وعي!
على مستوى العالم، يخسر 800 ألف شخص حياتهم بسبب الانتحار سنويا، وفق منظمة الصحة العالمية، ومقابل كل حالة انتحار هناك الكثير من الناس يتعرضون للعنف وسوء المعاملة.و”يعد الانتحار ثالث سبب للوفاة عند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً”.
الحصول على إحصائيّات دقيقة على مدار السنوات العشر الماضية، لتعداد المنتحرات والمنتحرين في عموم سوريا يعوقه تشتت مراكز السيطرة بين قوى مختلفة، مناطق المعارضة شمال البلاد والنظام والإدارة الذاتية (شمال وشرق سورية)، غير أن بعض التقارير المنشورة تعطي مؤشرات واضحة عن ازدياد حجم الظاهرة.
رصد تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الصادر في 4 تشرين الثاني / أكتوبر حول “أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا في تشرين الأول 2020“، ارتفاعاً في معدل حوادث الانتحار في مناطق سيطرة النظام السوري، مرجعاً السبب الرئيس وراء ذلك الى تردي الأوضاع المعيشية. وحالات الإبلاغ عن منتحرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، تبيّن أن حالات انتحار كانت تتمّ من قبل فتيات قاصرات وشابات تتراوح أعمارهن ما بين 15-21 سنة، ومعظمهم قد تزوّجنَ حديثاً.
في الوقت نفسه، يتم الإبلاغ في مناطق مختلفة من البلاد عن إقدام أشخاص على الانتحار، لكن يتم إنقاذهم في اللحظة المناسبة وقبل فوات الأوان، من قبل ذويهم. هذا ما أكده المدير العام للهيئة العامة في مستشفى ابن خلدون للأمراض النفسية والعقلية في حلب، بسام حايك حيث قال انه في عام 2019 “تم إنقاذ 99 حالة انتحار من أصل 100 حالة أسبوعياً، مع وجود أطفال لا تتجاوز أعمارهم 7 سنوات يتحدثون عن الموت بشكل روتيني، ما قد يؤدي إلى الانتحار من دون وعي.”
بدوره، مجلس عدالة المرأة وقوى الأمن الداخلي العامل في المناطق الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا، كشف في تقرير له، توثيق 24 حالة انتحار في المنطقة خلال آذار/ مارس، ونيسان/ أبريل، وأيار/ مايو الماضي، وهي الفترة التي أعلن فيها الحظر المنزلي بسبب جائحة كورونا، والذي كان بيئة خصبة للعنف المنزلي، والدفع باتجاه الانتحار، حسب بيان المجلس.
فيما وثقت منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة في القامشلي 16 حالة انتحار حتى بداية أيلول/ سبتمبر الماضي، لفتيات تراوحت أعمارهم بين 18 و35 سنة.
ضجّت وسائل الإعلام المحلية، بداية شهر أيلول / سبتمبر الماضي، بحادثة انتحار المدرسة الثلاثينية (ميساء د) في أحد مخيمات أطمة في محافظة إدلب، باستخدام “حبة الغاز”، والسبب خلاف أسري مع زوجها.
تفاصيل الحالة، كما روت من المقربين من المعلمة، تعود إلى مدة طويلة، والسبب معاملة زوجها السيئة، حيث طردها من المنزل ومنعها من رؤية أطفالها.
لتنتحر من خلال تناول “حبوب غاز الفوسفين” قبل ذهابها إلى منزل عائلتها الذي توفيت فيه.
كان لميساء “المحبوبة” من قبل محيطها كما يقول المقربون منها، وجه آخر لحياتها، فهي أسيرة عنف زوجها، وهو ابن عمها في الوقت نفسه، والذي يأست من قدرتها على مواجهة ظلمه لها بطلب السند والدعم من أسرتها.
بحسب احصائيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، والصادر في آب/ أغسطس الماضي، ارتفعت حالات الانتحار في شمال غربي سوريا منذ بداية العام الحالي بنسبة 38%، ما بين الربعين الأول والثاني من 2020.
هذه النسب المرتفعة في الحالات دقّت ناقوس الخطر عند أكثر من 20 منظمة صحية في مناطق شمال غربي سوريا، حيث عكفت جميعها ومن خلال 157 مركزاً صحياً، على الشروع بتنفيذ برامج دعم نفسي اجتماعي بمشاركة 163 طبيب، بينهم 4 مختصين بالطب النفسي.
انتحار في الملجأ!
فاطمة محمد (اسم مستعار)، (25 عاماً)، هاربة من جحيم الحرب في منطقتها في ريف حماة إلى أحد مخيمات عرسال الواقعة أقصى الشمال الشرقي من محافظة البقاع اللبنانية، أقدمت على 3 محاولات انتحار بداية عبر تناول جرعة زائدة من الأدوية لكن تم إنقاذها، ثم حاولت قطع شرايين اليد، الذي لم يكن كفيلاً بإنهاء حياتها، وأخرها أيضاً عن طريق تناول جرعات زائدة من الأدوية أيضاً.
وفق الطبيب أحمد دعبول (جراحة عام)، لا يسبب قطع شرايين اليد الموت، ولكن نزيف الدم الشديد دون انقطاع يؤدي إلى عدم انضباط ضربات القلب، وبالتالي انهيار الدورة الدموية والسكتة القلبية، ما يؤدي إلى الوفاة.
وبحسب دعبول، إجراء الاسعافات الأولية لمن يقدم على هذا الفعل، يسهم في بقائه على قيد الحياة وهذا أنقذ فاطمة.
فاطمة التي عاشت تقلبات هائلة في مسار حياتها بسبب الحرب ولاحقاً بسبب ضغوط اجتماعية فضلت عدم الخوض فيها تمكنت حالياً من استعادة بعضاً من استقرارها النفسي كما تقول، “لم يكن يسأل أحد في المستشفى عما يحصل معي، وكل ما في الأمر أنني خضعت لعلاج نفسي، والذي كان كفيلاً بإعادة التوازن لحياتي مرة أخرى”.
وبحسب الاختصاصي النفسي، صلاح الدين لكه، فإن أقوى مؤشر على التعرض لخطر الانتحار في المستقبل، هو محاولة انتحار سابقة واحدة أو أكثر.
لبنان يستضيف بحسب الأمم المتحدة حوالي مليون لاجئ سوري، نصفهم من النساء. وبحسب دراسة لصندوق الأمم المتحدة للسكان بعنوان “تركيز على الشباب المتأثر بالأزمة السورية في لبنان في السياق الإنساني“، فكّر 41 في المئة من اللاجئين السوريّين إلى لبنان في الانتحار، وذلك من خلال دراسة أجرتها في 2013، مرجعة السبب إلى الحالة النفسيّة السيئة للاجئين، الناتجة عن عدم الشعور بالأمان.
انتحار الشباب!
تقول نائب رئيس الأبحاث بالمؤسسة الأميركية لمكافحة الانتحار هاروكا في فريدمان في تصريح نقله موقع BBC باللغة العربية في 21 آذار /مارس 2019، إنّ مسألة التفاوت بين الجنسين في معدلات الانتحار لا تزال تشغل اهتمام الباحثين، إذ يسجّل الرجال النصيب الأكبر من حالات الانتحار، رغم أنّ مرض الاكتئاب أكثر شيوعاً بين النساء.
وبحسب فريدمان، “اللافت أن النساء أكثر ميلاً للتفكير في الانتحار، ومحاولات الانتحار بينهن أعلى منها بين الرجال بمرة وربع تقريباً، وربما يرجع هذا إلى أن الرجال يستخدمون وسائل انتحار أكثر فتكا قد تزيد احتمالات موتهم قبل وصول المنقذين.
فؤاد السيد، (40 عاما) اسم مستعار، سوري يعيش في دمشق طوال السنوات الماضية بكل تقلباتها ومخاطرها، وهذه الضغوط دفعته إلى إدمان المخدرات منذ 10 أشهر. يقول الشاب لمعد التحقيق، “حاولت التوقف عن الموضوع لكن لم أستطع، وفي كل مرة كنت أعود مجدداً للتعاطي”. يتابع “عندما ضاقت بي السبل لإيقاف الأمر، قررت إنهاء حياتي باستخدام المخدرات عن طريق جرعة زائد، والقرار حين اتخذته لم أكن تحت تأثير أي شيء، وكل ذلك سببه اليأس”.
يقول فؤاد، “الجرعة لم تكن كفيلة بإنهاء حياتي، والسبب هو دخول أختي إلى غرفتي وكنت غائباً عن الوعي، ليتم نقلي إلى العناية المشددة التي بقيت فيها مدة شهر كامل، واستطعت بفضل الرشوة إنهاء الموضوع دون ضبط شرطة، وبعد خروجي من المستشفى أصبح استخدامي للهاتف للضرورة كون من أدخلني في هذا الأمر يحاولون إلى الآن الاتصال بي”.
في آذار/ مارس 2018 نقل عن قاضي محكمة الجنايات ماجد الأيوبي لـ الوطن قوله أن نسبة بلوغ تعاطي المخدرات بين الشباب وصلت إلى 60% من الدعاوى المنظورة أمام القضاء.
التقى معد التحقيق بالمسؤول عن توثيق حالات الانتحار في دائرة الضبوط العادية في محكمة ريف دمشق (كاتب ضبط جنائي)، والذي اشترط عدم الكشف عن اسمه. يقول لقد تغيرت أسباب الاقدام على الانتحار بحسب ما يدون في السجلات لديه خصوصاً بعد عام 2013، فقبل هذا العام كان الانتحار في الغالب يعزى لأسباب اجتماعية لكن بعد الثورة والحرب باتت ظاهرة الانتحار مقترنة بالاكتئاب والفقر والوضع الأمني والسياسي والاقتصادي السيء.
وعن إحدى الحالات، يقول، “في العام 2015 وعند حصار الغوطة الشرقية، تم توثيق انتحار رب أسرة ولديه 3 أطفال يعمل في مجال الخياطة، ولم يكن المنتحر مسلحاً، وبسبب الخوف بقي في الغوطة”، مضيفاً أنه عند خروج العائلة في 2018 تحدثوا عن أسباب انتحاره بالقول:”عندما اشتد الحصار والجوع والفقر وعدم الحصول على عمل، والخوف من الخروج إلى مناطق سيطرة الحكومة، والحصار بين دائرة الخوف والجبن، قرر الانتحار عن طريق حزام الخصر الناسف ضمن منزله”.
يسود الشارع السوري حديث عن زيادة عدد حالات الانتحار ، وأسباب هذه الزيادة، وفق ما يراه المختص بالشأن الاجتماعي، صفوان موشلي.
سبب ارتفاع الحالات هو أن هناك حالات من عدم التأقلم الحاد التي ترفع نسب الانتحار، حيث ارتفعت من (0.6 بالمئة ألف) قبل 2011 إلى (3.08 بالمئة ألف) حسب الاحصائيات التي رصدت حالات الانتحار من منتصف 2019 وحتى حزيران/ يونيو 2020 في مناطق سيطرة النظام بزيادة تصل إلى خمس أضعاف مما كانت عليه قبل 2011.
أما في مناطق شمالي غربي وشمال وشرقي سوريا الخاضعة لسيطرة القوات الكردية والمعارضة السورية، لم تتجاوز النسبة معدل (1.4 بالمئة ألف) وذلك استنادا الى احصائيات غير رسمية تم جمعها من دراسات غير منشورة، لكن الرقم قد يكون أكبر من ذلك، إذ لا تعكس هذه النسبة المتدنية ظروف العوز الشديد وتهالك الخدمات في المخيمات وما تفرزه من فقدان للأمل وشعوراً عميقا بانسداد الأفق وانعدام الجدوى.
أما للسوريين في دول اللجوء، النسبة تقل رغم الظروف السيئة إذ لاتتجاوز الأعداد المطلقة للمنتحرين في كل من لبنان والأردن الخمس عشرة خلال 2020، وفي تركيا حيث عدد اللاجئين الرسميين يقارب 3.6 مليون، إلا أن عدد حالات الانتحار أقل من عشر حالات.
هناك فرق توصيفي بين الانتحار وبين الأفكار الانتحارية، على ما يوضح الاختصاصي النفسي صلاح الدين لكه، المقيم في غازي عنتاب جنوب تركيا.
فالأول هو القتل العمد للنفس، سواء كان متعمّداً أم نتيجة اندفاع، ويستخدم تعبير محاولة الانتحار، يعني أي سلوك انتحاري غير قاتل، أو لم يؤدي إلى الموت.
وحول تنامي هذه الظاهرة في المجتمع السوري يقول لكه، “في مسح عن الانتحار نفذ عام 2019 من قبل مجموعة عمل الصحة النفسية التقنية في شمال غربي سورية، التابعة لمنظمة الصحة العالمية، سجل 47 حالة انتحار، و 751 محاولة انتحار”. فيما أورد تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية تقديرات الانتحار في 2016 ، أن عدد حالات الموت نتيجة الانتحار في سوريا هو 357.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، هناك ضعف في إتاحة البيانات الخاصة بالانتحار والإقدام عليه ونوعية هذه البيانات.
وهذا ينعكس على الأرقام حيث تكون عادة أقل من الواقع ، ويساهم العاملون في القطاع الصحي في إظهار أو إخفاء الأرقام المتعلقة بالانتحار، من خلال تسجيل الوفيات الناجمة عن الانتحار على أنها حوادث، ويعود ذلك إلى الوصمة المجتمعية المتعلقة بالانتحار وسعيهم لعدم تعريض سمعة المتوفى وذويه لإساءة ووصمة مجتمعية ،كما يعبر العاملون الصحيون.
مع استمرار تدهور الأوضاع في سوريا وغياب أفق واضح لحلول أمنية واجتماعية واقتصادية، تبدو ظاهرة الانتحار حاضرة وتثير القلق رغم وجود محاولات من بعض منظمات المجتمع الأهلي والمدني، للاستجابة للاحتياجات الصحية ومنها النفسية، لكن لا تزال الفجوة كبيرة، من حيث إعداد الكوادر الصحية النفسية المتخصصة لتقديم الخدمات، إضافة إلى الحاجة الكبيرة إلى تحسين وتضافر الجهود المجتمعية المؤسساتية لتقليل وصمة العار المرتبطة بالانتحار.
انتهت حياة ميساء كما العشرات من أقرانها، فيما تنتظر فاطمة الخروج من خيمتها في لبنان سعياً نحو حياة أفضل توقفُ تفكيرها في هذه الحالة، وكلها تفاؤل بتحسن وضعها قريباً.
أنجز هذا التحقيق بدعم من الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، إشراف الزميل محمد بسيكي ونشر في موقع “درج ميديا“