الموقع قيد التطوير

Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit

ابتسامة بمليون يورو

ابتسامة بمليون يورو: صفقة عقـاريّـة لطبيب روماني مع السفارة السورية

آنا بوناريو “مشروع رايز“، محمّد بسيكي “سراج“ بالتعاون مع OCCRP النسخة العربية: درج ميديا لم يكُن القصرُ المبنيّ على الطراز الزخرفيّ، الكائن في 47 شارع […]
من قبل: Ana Poenariu (RISE Project)محمد بسيكي
مع:
أخبرنا بفكرة تحقيق

لم يكُن القصرُ المبنيّ على الطراز الزخرفيّ، الكائن في 47 شارع باريس في العاصمة الرومانيّة بوخارست، ليُباع رخيصاً أبداً؛ إذ يمتدّ القصر على مساحة تربو على ألف متر مربّع، ويقع في حيٍّ رئيسيّ في المدينة يفضّله الديبلوماسيّون، وقد بناه مهندس الإنشاءات الرومانيّ الأسطوريّ إميل براغر عام 1933.

ولكنّه، مع ذلك، أثار دهشة في أوساط البعض في العاصمة الرومانيّة حين ارتفعت قيمة المبنى ذي الحجارة بيضاء اللون، إلى مليون يورو في خلال أقلّ من أسبوع عام 2009.

الأغرب أنّ القصر اشترته أرملة متقاعدة تُدعى ليانا بيلموس، كان عمرها 58 سنة في ذلك الوقت، وقد اشترت المبنى في 10 أيلول/ سبتمبر مقابل 3.5 مليون يورو (ما يُعادل 5.09 مليون دولار أميركيّ)، مع أنّها كانت تعيش في مجمّع سكنيّ عموميّ يعود إلى الحقبة الشيوعيّة، جنوب غربي العاصمة بوخارست، وكان متوسّط الراتب التقاعديّ في رومانيا حينها 162 يورو شهريّاً.

ابتسامة بمليون يورو
ابتسامة بمليون يورو

باعته بيلموس بعد أسبوعٍ واحد فقط إلى وزارة الخارجيّة السوريّة بقيمة 4.46 مليون يورو (ما يساوي 6.56 مليون دولار أميركيّ)، وفقَ عقود بيع حصل عليها صحافيّون من “مشروع رايز” و”سراج” (الوحدة السوريّة للصحافة الاستقصائيّة)، وهما من شركاء “مشروع تتبّع الجريمة المنظّمة والفساد العابر للحدود” OCCRP.

تمّت الصفقة -التي لم تظهر حولها تقارير في الإعلام التقليدي- من خلال وسيط هو صهرها عمّار عون، وهو طبيب أسنان يَعتبر السفير السوريّ في رومانيا من بين أصدقائه.

قال المعارِض السوريّ محمد رفاعي، وهو طبيب أسنان أيضاً، إنّ “التي اشترت ذلك العقار وباعته إلى الحكومة السوريّة هي قريبة أحد الأصدقاء المقرّبين إلى السفير [السوريّ في رومانيا]”.

وأضاف: “لم تكن لديها الملايين في حسابها المصرفيّ، فهي ليست من وكلاء العقارات المعروفين، ولكن بين عشيّة وضحاها دخلت إلى حسابها المصرفيّ كميّة ضخمة من الأموال”.

رومانيا من دول الاتّحاد الأوروبّيّ القليلة التي حافظت على علاقات ديبلوماسيّة مع نظام بشار الأسد خلال الحرب الأهليّة السوريّة، التي اندلعت منذ نحو عقدٍ من الزمان، إثر القمع الوحشيّ للاحتجاجات المناهضة للحكومة في دمشق. ففي أعقاب القمع الذي وقع في آذار/ مارس 2011، فرض الاتّحاد الأوروبّيّ عقوبات على الأسد وشركائه الأساسيّين، ولا تزال تلك العقوبات سارية المفعول.

يقول المعارِضون من أمثال رفاعي، إنّ بوخارست صارت بؤرة أوروبّيّة للشبكات الماليّة غير المشروعة لبشار الأسد وابن خاله الثريّ رامي مخلوف المتزوِّج من ابنة السفير السوريّ في رومانيا.

قال عمّار عون، طبيب الأسنان الذي توسّط في صفقة السفارة، لمشروع “رايز” -أحد أعضاء “مشروع تتبّع الجريمة المنظّمة والفساد العابر للحدود”- إنّه كان مسؤولاً عن صفقة الشراء التي قامت بها حماته المتقاعدة، ومسؤولاً أيضاً عن بيع العقار فوراً إلى السفارة السوريّة، بهامش ربح يصل إلى 30 في المئة٪ تقريباً.

  • وأضاف “قمتُ بكلِّ شيء”.
  • وسأل: “لماذا قد يتساءل مواطن رومانيّ عمّا يحدث في السفارة السوريّة؟”.

ورفض طبيب الأسنان التعليقَ على قيمة الربح التي وصلت إلى مليون دولار، ولكنّه قال إنّه “تلقّى الملايين من السفارة السوريّة” على مدار سنوات؛ مضيفاً “تلقّيت 10 ملايين نقداً، وليس مليوناً فقط. وماذا هنالك؟ أليس مسموحاً لي؟ تلقّيت عشرة ملايين، بل ما بين 10 إلى 15 مليوناً. فهم يُعطونني عمولات”.

وبعد ساعاتٍ من المقابلة، أرسل عُون رسالةً نصّيّة من جديد إلى الصحافيّ، يقول فيها:

“مساء الخير، آسف على نبرة النقاش الذي دار بيننا اليوم. أعتبر الموضوع قديماً وقانونيّاً وقد أُغلِق. أتمنّى لك التوفيق في جهودك لإلقاء الضوء على هذا الأمر”.

رفض السفير ووزارة الخارجيّة السوريّة التعليقَ على صفقة الشراء، أو توضيح المستفيدين منها، أو تبيان ما إذا كانت الصفقة قد اتّبعت قواعد التوريد العموميّة، وما إذا كانت الحكومة السوريّة قد استقصت احتمال وجود تضارُب في المصالح.

في المقابل، قالت وزارة الخارجيّة الرومانيّة إنّ السؤال حول كيفيّة قيام السفارة السوريّة بالشراء يقع خارج نطاق اختصاصاتها. ولكنّ القاضية الرومانيّة كاميليا بوغدان، ولديها خبرة في مجال غسيل الأموال، قالت إنّ الصفقة كانت مؤشّراً خطيراً، وكان من الواجب إبلاغ السلطات بشأنها.

ابتسامة بمليون يورو
سفير سوريا في رومانيا وليد عثمان يمنح شهادتي تقدير الى عماد عون وأمين حريشية

وكتبت القاضية في رسالتها: “من الواضح أنّ هناك مؤشّرات خطيرة على وجود عمليّات غسيل أموال في المنظومة العقاريّة (منها على سبيل المثال الافتقار إلى أيّ تبريرات ماليّة، ووجود مدفوعات من خلال وسطاء لا يملكون أدنى تبرير حول الأصول القانونيّة لتلك الأموال). وكان يجدر بالكاتب العدل الذي صادَق على ذلك المخطّط الاحتياليّ أنْ يتناوَل تلك المؤشّرات من خلال تحسين عمليّة العناية الواجبة وفقاً لالتزامات مكافحة غسيل الأموال”.

وتابعت: “في هذه الحالة، على الكاتب العدل تحديد المالِك المستفيد، وتقديم تقرير حول وجود صفقة مشبوهة إلى وحدة الاستخبارات الماليّة”.

طبيب الأسنان والشتات

لدى رومانيا وسوريا روابط ديبلوماسيّة متينة منذ عهد نظام الديكتاتور الشيوعيّ السابق نيكولا تشاوشيسكو، الذي كانت له علاقة حميمة بالأسد الأب. وقد حكم حافظ الأسد سوريا بقبضةٍ من حديد، مدة ثلاثة عقود تقريباً بدايةً من عام 1971.

اعتمد الجيش السوريّ جزئيّاً على أسلحة رومانيّة لتجهيز جنوده وتسليحهم. وكانت دمشق أيضاً من أبرز مستوري المواشي والأخشاب وغيرها من البضائع الرومانيّة قبل أنْ يفرض الاتحاد الأوروبيّ عقوباته على سوريا عام 2011.

وقد وصل مئات السوريّين إلى رومانيا في ثمانينات القرن الماضي حين قدّم تشاوشيسكو منحاً دراسيّة للطلبة الوافدين من سوريا الاشتراكيّة. وقد مكث هناك كثيرون، وعملوا أطبّاءَ ومهندسين أو أقاموا مشاريعهم التجاريّة.

كان عمّار عون واحداً من هؤلاء السوريّين. فقد درس طبَّ الأسنان في بوخارست، ثم تزوّج امرأة رومانيّة، يُدير معها الآن عيادةً متخصّصة في طبّ الأسنان.

ابتسامة بمليون يورو

تقول إحدى العاملات في منظمة غير الحكوميّة في بوخارست، أمضت سنواتٍ في مساعدة المجتمعات السوريّة وغيرها من المجتمعات المهاجرة، وتحدّثت إلينا بشرط عدم الكشف عن هُويتها، لأنّ مكان عملها يحظر على الموظّفين التحدّث إلى الصحافة، “لقد كان أولئك الذين أتوا قبل عام 1990 في الغالب طلّاباً يدرسون الطب البشريّ أو طبّ الأسنان أو العلوم التطبيقيّة. وقد أقاموا هنا وحصلوا على الجنسيّة الرومانيّة، وأصبحوا رجال أعمال لديهم نفوذ واسع وسلطات كبيرة. ويمتلكون سلاسل فنادق وفرَق لكرة القدم ومطاعم”.

بيد أنّ ذلك كله تغيّر عام 2011، عندما عصف اندلاع الحرب الأهليّة بالجالية السوريّة الرومانيّة التي تقدَّر بحوالى 5 آلاف شخص.

وأردفت قائلةً: “بين عشيّةٍ وضحاها، أصبح بعض السوريّين أعداءً للنظام”.

في حين ضاعف آخرون، مثل عون، دعمهم حكومة الأسد. فقد تشارَك هو ورجل أعمال آخر في التبرع بـ”سيّارة رياضيّة متعدّدة الأغراض” SUV، للسفارة، فضلاً عن أنّ صفحته الشخصيّة على “فايسبوك”، تفيض بالمقولات المؤيِّدة لنظام الأسد، والمديح للسفير نفسه.

فقد كتب في منشور من هذا القبيل أواخرَ أيلول/ سبتمبر الماضي، جاء فيه

“تشرق شمس يوم جميل… ولا يُطربك شيء أحلى من الودّ والوفاء! صباح الخيرات وصباح الوفاء والمحبّة للوطن، سوريا الشموخ، ولسعادة السفير الدكتور وليد عثمان المحترم”.

فتح الصندوق: نصيحة خطيرة

بعد مضيّ شهر على توسّطه في صفقة السفارة، تورّط عون أيضاً في قضيّة غسيل أموال مع رجل أعمال سوريّ رومانيّ آخر، وهو عبد القادر يخني.

فقد كانت البداية حين قرّرت زوجة عبد القادر الذهاب إلى تركيا حاملةً معها مبلغ 769 ألف دولار نقداً مخبّأ في حقيبة سفرها، وفقَ ما جاء في وثائق المحكمة.

اتّصل عبد القادر بعون وطلب منه المساعدة في تجنّب تفتيش ضبّاط الجمارك في مطار بوخارست. وأخبر عون عبدَ القادر أنّه سيتأكّد ممّا إذا كان “الشخص الذي يعرفه موجوداً هناك”، وفقاً للوثائق التي قدّمها الادعاء.

بيد أنّ الأموال صُودرت، وحوكم عبد القادر وأُدِين باتّهامات تتعلّق بالجريمة المنظّمة وغسيل الأموال. واتّهمه الادّعاء باستخدام زوجته، من بين آخرين، في عمليات التهريب من أجل غسيل الأموال لمصلحة عصابة إجراميّة تمارس أنشطتها في سوريا والأردن والعراق وتركيا والسعوديّة ولبنان. ووفق سجلّات المحكمة، يُقال إنّ عبد القادر شارك في غسيل ما يصل إلى 3.5 مليون دولار بين أيلول 2009 وكانون الثاني/ يناير 2010.

فقد استُدعى عون كشاهد في القضيّة، ولكنّه أصرّ على أنّ دورَه الوحيد كان تقديم نصيحة إلى عبد القادر، أنْ يتّصل بمحامٍ.

وهو أيضاً صديق على “فايسبوك” مع هيثم أسعد، وهو رجل أعمال سوريّ رومانيّ يمتلك أسهماً في شركة اشترَت أرضاً داخل قاعدة عسكريّة رومانيّة يستخدمها جنود حلف الناتو، في صفقةٍ كشف عنها “مشروع تتبّع الجريمة المنظّمة والفساد العابر للحدود” و”مشروع رايس” عام 2018. وكان نجل السفير عثمان المساهم الرئيس في هذه الشركة.

بطانة النظام

ولد عثمان عام 1953 في قرية جبليّة تطلّ على مدينة اللاذقيّة الساحليّة، مقرّ عائلة الأسد الحاكمة. وكعائلة الأسد، ينتمي عثمان إلى الأقلّيّة العلويّة القويّة، التي هيمنت على السياسة السوريّة مذ استولى حافظ الأسد على السلطة عام 1971.

ابتسامة بمليون يورو

فقد بدأ مسيرته عضواً في “حزب البعث” الحاكم في سوريا في مدينة اللاذقيّة، وكان مكلَّفاً بالبحث عن مجنّدين شباب للانضمام إلى الحزب. وفي التسعينات تولّى منصب محافظ مدينة درعا جنوب سوريا بالقرب من الحدود السوريّة-الأردنيّة. وتزوّجت ابنته رزان رامي مخلوف، ابن خال بشّار الأسد، ما ساهم في توطيد الروابط بين العائلتين.

فرضت الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي عقوبات على مخلوف، وهو رجل أعمال سيطر على أكثر من 60 في المئة من الاقتصاد السوريّ قبل اندلاع الحرب عام 2011، بسبب دوره في الفساد الحكومي وتمويل نظام الأسد. وتخضع رزان عثمان للعقوبات أيضاً، مع أنّ والدها لا يخضع لأي عقوبات.

عام 2007، اختار الرئيس الأسد عثمان ليتولّى منصب السفير السوريّ في رومانيا. ومن جانبه، كان عثمان من أشدّ مؤيّدي الرئيس، لدرجة أنّه انحاز له عندما نشب خلاف بينه وبين زوج ابنته مخلوف في وقت سابق من هذا العام.

قال صقر الملحم، السفير السوريّ السابق لنظام الأسد في تشيلي، الذي استقال عام 2013 احتجاجاً على ما اعتبره زيادة النزعة الطائفيّة والفساد داخل وزارة الخارجيّة، إنّ “وليد عثمان من مجموعة سفراء مقرَّبين للغاية من العائلة الحاكمة”.

وصرّح الملحم ودبلوماسيٌّ بارز سابق آخر -طلب عدم الكشف عن هُويّته لأسباب تتعلّق بالسلامة- لـ”مشروع تتبّع الجريمة المنظّمة والفساد العابر للحدود”، أنّ عثمان ومجموعةً من المبعوثين الدبلوماسيّين في الدائرة المقرّبة من الأسد معروفون باسم “عظمة عنق النظام”.

وقال الملحم إنّ “هذه المجموعة تتصرّف وكأنّها فوق القوانين والأنظمة السوريّة. إذ تمتدّ فترة ولاية أعضائها، وبوسعهم أنْ يبيعوا سوريا كلها ويشتروها”.

ينتمي معظم هؤلاء المبعوثين الديبلوماسيّين إلى العائلات العلويّة البارزة التي لها صلات مهمّة داخل الأجهزة الأمنيّة المنتشرة في جميع أنحاء سوريا، فهم أصحاب النفوذ الفعليّ في البلاد.

وأضاف الملحم أنّه “حتّى الرئيس الأسد لا يجرؤ على الاقتراب منهم. تساعد تلك القرينة على تفسير عمليّة الشراء التي اضطلعت بها السفارة، وكيف احتفظ عثمان بمنصبه على مرّ السنين في رومانيا”.

فقد كان يفترض أنْ يتقاعد عثمان منذ عامين، عندما بلغ الخامسة والستّين من عمره، بموجب القانون السوريّ. غير أنّ الأسد جدّد فترة ولايته مع ذلك؛ ربّما لأنّ ترشيح مبعوث جديد قد يثير المتاعب لرومانيا، التي عليها أنْ توافق على تعيينه، وبالتالي تأكيد تأييدها النظام السوريّ.

على رغم طرد الكثير من الدول الأوروبّيّة سفراءَ سوريا في أعقاب القمع العنيف الذي مارسه نظام الأسد ضدّ المحتجّين المناهضين للحكومة عام 2011، لم تفعل رومانيا ذلك. بل عمل كلا البلدَين على زيادة الأمن حول السفارة التي تقع في 47 شارع باريس، الذي أصبح موقعاً لاحتجاجات منتظمة تقودها الجالية السوريّة المناهضة للأسد في رومانيا.

وقال المعارض السوريّ الدكتور محمد رفاعي إنّ مبنى السفارة بات يبدو للناظر إليه وكأنّه رمز للفساد والواسطة.

وختم قائلاً “نحن السوريّين الذين ينتمون إلى الإنسانيّة، نشعر بأنّ هذه السفارة لا تقدِّم لنا أيَّ شكلٍ من أشكال الحماية”.


اترك تعليقًا

التسجيل غير مطلوب



بقيامك بالتعليق فإنك تقبل سياسة الخصوصية

AbdulrahmanSeptember 19, 2024 7:32 pm
لا جديد يذكر ولا قديم يعاد هذا هو النظام السوري حتى بالرياضة يزور ويكذب