ليلة الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، ومع اقتراب قوات المعارضة السورية من دمشق، كانت أنباء هروب بشار الأسد – والتي لم يبلغ بها حتى شقيقه ماهر بحسب مصادر- بمثابة صفارة الإنذار الأخيرة لأبرز رجالات النظام للفرار قبل القبض عليهم من جحافل المقاتلين القادمين إلى العاصمة.
تتضارب الروايات حول مصير كبار قيادات الجيش وفروع الأمن في سوريا، فمنهم من يُشاع أنه هرب إلى روسيا، فيما تتداول مصادر أخرى أن العديد منهم مختف في العراق ولبنان.
في المقابل، تتفق المصادر جميعها على الخوف الذي عصف بالكتلة الصلبة للنظام ليلة سقوطه، الخوف الذي دفع بأحد أكبر قادة نظام الأسد، اللواء كفاح ملحم، الرئيس السابق لشعبة المخابرات العسكرية، ومدير مكتب الأمن الوطني لغاية سقوط النظام خلفاً للواء علي مملوك، لمغادرة مكتبه والهرب تاركاً وراءه العديد من الوثائق والأوراق، بينها وثيقة خاصة جداً، هي “دفتر هاتفه الشخصي” الذي كان من الوثائق الهامة التي عاينها فريق التحقيق في الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، ضمن المشروع الاستقصائي الدولي “ملفات دمشق” ويضم حوالي 400 اسم.
لا يوَضح “دفتر الهواتف” طبيعة العلاقة بين ملحم ومن دَوَّن رقم هاتفه في دليله الشخصي، وفي هذا التقرير نحاول فقط من خلال دليل الهاتف وعرض ما يحتويه، محاولة فهم مستويات قوة ومركزية هذا الرجل في جسد النظام السوري المخلوع، من خلال علاقاته عبر دفتر التلفونات.
و”ملفات دمشق” هو مشروع تحقيقات استقصائية تشاركي يديره “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ” بالتعاون مع هيئة البث العامة الألمانية NDR ويضم صحفيين من مختلف أنحاء العالم، لكشف تفاصيل جديدة مروّعة حول أحد أكثر أنظمة القتل التي تديرها دولة وحشيةً في القرن الحادي والعشرين: نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.
أمضى الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين وNDR والوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج، و126 صحافي من 26 منصّة إعلامية شريكة في 20 دولة، أكثر من ثمانية أشهر في تنظيم هذه الوثائق وتحليلها، واستشارة الخبراء، وإجراء مقابلات مع عائلات سورية ما زالت تبحث عن أحبائها الذين اختفوا تحت حكم الأسد.
ويكشف مشروع “ملفات دمشق” عن البنية الداخلية لجهاز أمن الأسد وصلاته بحكومات أجنبية ومنظمات دولية. ويتكوّن التسريب من أكثر من 134 ألف ملف مكتوبة في الغالب باللغة العربية — ما يعادل نحو 243 غيغابايت من البيانات.
تمتد هذه الوثائق على مدى أكثر من ثلاثة عقود، من عام 1994 حتى كانون الأول/ديسمبر 2024، وتعود أصولها إلى مخابرات سلاح الجو وإدارة المخابرات العامة في سوريا.
وقد فُرضت على هاتين الجهتين الاستخباراتيين عقوبات واسعة من الولايات المتحدة وأوروبا بسبب ممارساتهما الوحشية، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي.
وتشمل المواد مذكرات داخلية وتقارير ومراسلات تكشف آليات العمل اليومية لشبكة الأسد في المراقبة والاعتقال، إضافة إلى تنسيقها مع حلفاء أجانب مثل روسيا وإيران، واتصالاتها مع وكالات تابعة للأمم المتحدة تعمل داخل سوريا.
كما تتضمّن قاعدة البيانات شديدة الحساسية أسماء عدد من ضباط وعناصر المخابرات السورية السابقين.
…
بحسب تحقيق نشرته صحيفة نيويورك تايمز في 15 تشرين الأول/أكتوبر 2025، فإن كفاح ملحم يقيم اليوم في روسيا، رفقة عدد من كبار ضباط الجيش والمخابرات. ومن البديهي بمكان القول إن علاقات ملحم تمتد رأسياً وأفقياً على امتداد توسع أذرع النظام في سوريا. إلا أن الدفتر الشخصي الذي تركه وراءه كان فرصة لفريق “سراج” الذي اطلع على صفحاته الصفراء، لمعرفة جانب من خبايا تواصلات أحد كبار مجرمي الحرب في النظام السوري.

من هو اللواء كفاح ملحم؟
ينحدر اللواء كفاح ملحم من قرية جنينة رسلان بريف محافظة طرطوس، حيث ولد عام 1961. وقد بدأ عمله العسكري في قوات الحرس الجمهوري قبل أن ينتقل للعمل في المخابرات العسكرية في عام 1994. وتدرج في الرتب والمناصب إلى أن أصبح، عشية الثورة، رئيساً لفرع التحقيق 248 سيء الصيت في منطقة كفرسوسة في دمشق، والذي يتبع لقيادة المخابرات العسكرية (الأمن العسكري).
في عام 2012، ومع اشتداد وتيرة المظاهرات خلال الثورة السورية، عينه بشار الأسد رئيساً لفرع المخابرات العسكرية في حلب ثم اللاذقية، حيث ذاع صيته بسبب دوره في قمع المظاهرات وتعذيب المعتقلين، بحسب تقارير حقوقية من بينها تلك الصادرة عن”هيومن رايتس ووتش”. فيما تشير تقارير أخرى إلى أنه عمل مع هلال الأسد -الذي قُتل عام 2014- على تجنيد الشبيحة وتسليحهم لقمع المظاهرات في المحافظتين.
هذا الولاء المطلق للنظام والسجل الحافل بانتهاكات حقوق الإنسان كان سبباً في تسلمه رئاسة فرع المعلومات (الفرع 294)، إلى أن عينه رئيس النظام المخلوع بشار الأسد مديراً لشعبة المخابرات العسكرية منذ عام 2019 وحتى بداية العام 2024. هنا توسعت مهام ملحم بالإشراف على عمليات التعذيب والقتل والإعدام خارج القانون، إذ كان له إشراف كبير على الجرائم الواسعة التي ارتُكبت في سجن صيدنايا، ما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة إلى فرض عقوبات عليه في عام 2020، بسبب دوره في جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.

في بداية عام 2024، وضمن ما عرّفه مركز جسور للدراسات بأنه “إعادة تشكيل للمنظومة الأمنية”، عيّن بشار الأسد كفاح ملحم مديراً لمكتب الأمن الوطني بعد إعفاء اللواء علي مملوك.
وأصدر تعميماً سرياً يربط جميع فروع الأمن بمكتب الأمن الوطني، في ما اعتبره المركز محاولة من الأسد لتقليص سلطة قادة الفروع الأمنية بعدما تراجعت سيطرته عليهم لصالح الروس والإيرانيين، وذلك عبر تعيينه رؤساء فروع أصغر سناً وأكثر ولاء له وفي مقدمة هؤلاء كان اللواء كفاح ملحم.
بدوره أشار الباحث والكاتب السوري، حسام جزماتي إلى أنّ تعيين ملحم في هذا المنصب كان “نتيجة تراكمية لإثباته ولاء وإخلاصاً للنظام وللمهام الموكلة إليه”، وربط تعيينه بفترة “ارتياح” لدى النظام بداية عام 2024 مع الانفتاح العربي والدولي على الرئيس المخلوع بشار الأسد، وهو ما منحه الثقة بعدم حاجته لمدير أمن وطني قوي وفاعل بقدر حاجته لمدير أمن منضبط أشبه ما يكون بـ “سكرتير”.
هرم الهواتف والرتب
من البديهي أن ملحم كان يستخدم أرقام الرتب العسكرية والأمنية للتنسيق والتواصل، إلا أنّ علاقته بالرموز الاقتصادية ورجال الأعمال والسلطات المدنية والمعارضين تبقى لغزاً وسط سمعة مسؤولين مثل ملحم، مِمن اشتهروا بابتزاز وتهديد كل من تتطلب الحاجة إبقاءه ضمن المسار المرغوب من السلطة.
لا نعلم بالضبط التواريخ التي بدأ فيها اللواء ملحم تدوين أرقام الهواتف في دفتره الشخصي، ومتى انتهى منها قبل هروبه، فما بين سطور هاتفه والرتب العديدة التي تسبق الأرقام، نجد شخصيات توفيت بالفعل، وأخرى ترفعت في الرتب ثم هربت مع سقوط النظام، كحال اللواء نفسه، أو لازالت متوارية عن الأنظار.
ويُمكن القول أنّ الغوص في دفتر اللواء الشخصي هو بمثابة محاولة رسم تشكيل هرمي لتراتبية المخابرات السورية وأجهزتها من رؤساء الأجهزة الأمنية ورؤساء الفروع التابعة لها وإدارة المناطق المختلفة والاختصاصات.
في تدوينه للأرقام، يتبع ملحم نظاماً لا يكاد يحيد عنه. فهو يدون الرتبة بداية، ثم اسم الشخص، فالفرع الأمني أو التشكيل العسكري الذي ينتمي إليه، سواء كان تابعاً لقوات النظام السوري أو لقوات أخرى “صديقة” كما كان يحلو للنظام وصف حلفائه الروس والإيرانيين.
نظام تدوين الأسماء والأرقام في “دفتر تلفونات” ملحم دقيق، مُصنّف، ويحترم الرتب العسكرية. كما يمنح صاحبه، وهو من كان مدير الأمن الوطني في سوريا، وصولاً سريعاً إلى الأرقام الشخصية وأرقام المكاتب لأكبر المسؤولين الأمنيين في البلاد.
ويعزو جزماتي ذلك إلى تاريخ ملحم في دراسة الهندسة ومن ثم العمل عن قرب مع باسل الأسد زميله السابق في مدرسة اللاييك وكلية الهندسة، حيث كان ملحم “مرساله إلى رئاسة الوزراء ومسؤولي الدولة” ما يجعل الوصول إلى أي شخص ورقمه وعنوانه بسرعة ضرورة من ضرورات العمل.
يمتلئ دفتر اللواء ملحم بالرتب الرفيعة في مخابرات الأسد، وفي مقدمتها المخابرات العسكرية التي كان رئيساً لها قبل تعيينه في إدارة مكتب الأمن الوطني، فنجد اسم العميد كمال حسن، والذي أصبح لواء فيما بعد وترأس جهاز المخابرات العسكرية خلفاً لملحم نفسه بعد ترقيته قبل الهرب إلى روسيا إبان هروب بشار الأسد.
اليوم يمثل اللواء حسن أحد أعمدة التمرد ضد الحكومة السورية الانتقالية، إذ تشير تقارير آخرها تحقيق لوكالة رويترز في 6 كانون الأول/ديسمبر الحالي إلى أن حسن، كما رجل الأعمال المقرب من الأسد رامي مخلوف، ينفقان ملايين الدولارات على تمويل آلاف المقاتلين في الساحل السوري لافتعال تمرد عسكري ضد السلطات السورية.
كما نجد أسماء ثمانية ألوية في الجيش والمخابرات، وهم: اللواء محمد الرحمون الذي كان رئيساً لإدارة المخابرات الجوية في المنطقة الجنوبية، واللواء وجيه عبد الله الذي كان مديراً للمكتب العسكري في القصر الجمهوري، واللواء أديب سلامة معاون مدير إدارة المخابرات الجوية، واللواء بديع معلا قائد مقر الموحد الساحلي في بانياس، المسؤول عن متابعة العمليات الجوية في المنطقة الساحلية.
ويُعرف معلا بأنه مبتكر فكرة استخدام “الألغام البحرية” لقصف المدنيين في سوريا، كما كان مسؤولاً عن مطار حميميم الذي يضم القاعدة الأكبر لروسيا في سوريا.
وهناك اللواء حسن الكردي، الذي كان قائداً لإدارة المركبات العسكرية، واللواء مفيد خضور الذي كان رئيساً للفرع 291 في المخابرات العسكرية، واللواء عدنان إسماعيل، وهو قائد الفرقة الثالثة في الجيش السوري، والعميد جمال يونس الذي أصبح برتبة لواء، وترأس اللجنة الأمنية والعسكرية في المنطقة الشرقية.
وعلى عكس عادته في تدوين الاسم والمنصب بشكل واضح، سجّل ملحم في دفتره رقماً بعنوان “اللواء مدير الإدارة السياسية” من دون اسم. لكن يرجح أنه يشير إما إلى اللواء عبد الكريم سليمان الذي شغل المنصب ما بين عامي 2004 و2018، أو إلى اللواء حسن حسن الذي شغل المنصب خلفاً لعبد الكريم سليمان.
تحت الألوية، يصنف دفتر اللواء الهارب العديد من العمداء والعقداء في مختلف التشكيلات العسكرية والأمنية، في مقدمتهم العميد توفيق حيدر مدير مكتب الأمن القومي، الذي حل مكانه مكتب الأمن الوطني بقيادة علي مملوك في عام 2012 عقب تفجير مكتب الأمن القومي في العاصمة دمشق.
وهناك العميد غسان إسماعيل، نائب مدير إدارة المخابرات الجوية، والعميد شفيق صارم، من مرتبات الجيش السوري، والعميد طه حاج طه، الذي كان رئيساً لفرع الأمن السياسي في اللاذقية، والعميد عماد محمد، الذي كان في سلاح الجو والمخابرات الجوية، وتوفي في عام 2019.
يبرز من بين الأسماء العمداء الذين ترأسوا فروع المخابرات والشرطة العسكرية في مختلف المحافظات السورية، والذين عملوا تحت إمرة اللواء ملحم حينما كان رئيساً للمخابرات العسكرية حتى بداية العام 2024، وفي مقدمتهم العميد سمير نظام، الذي كان رئيساً لفرع الشرطة العسكرية في دمشق، والعميد تامر الدخيل، الذي كان رئيساً لفرع الأمن العسكري في حلب، والعميد وفيق ناصر، الذي كان رئيساً للفرع 256 التابع للمخابرات العسكرية، والعقيد أسامة (لم يكتب اسم كنيته)، رئيس الفرع 217 التابع للمخابرات العسكرية في السويداء.
مرة أخرى، يخرج اللواء عن عادته في التدوين الواضح للأسماء والأرقام فنجد الأرقام التالية من دون أسماء: رئيس الفرع 248، ورئيس الفرع 235 والذي يُعرف باسم فرع فلسطين (غالباً محمد خلوف أو ياسين ضاحي)، ورئيس الفرع 237 أو فرع اللاسلكي، وجميعها تتبع لإدارة المخابرات العسكرية.
الرتب الأقل حظاً
فيما ينعم اللواء كفاح ملحم والعديد من رجالات النظام بمن فيهم بشار الأسد نفسه بحياة مرفهة في موسكو، بينما يتوارى الكثيرون ممن يردون في دفتر اللواء عن الأنظار خوفاً من المحاسبة، فإن بعض الأسماء في دفتره لم تعد أكثر من رتب على ورق، إذ لم يكونوا محظوظين كحال اللواء الهارب.
في الصفحة الخامسة من دفتر اللواء ملحم، نجد اسم العميد علي الصالح، الذي لم يتسن له الهروب كحال اللواء ورفاقه وانتهى به الأمر في قبضة قوات الأمن في الحكومة السورية الجديدة، بحسب ما أوردته قناة العربية في كانون الثاني/يناير 2025.

كما أعلنت قوات الأمن في الحكومة السورية الانتقالية، في نيسان/أبريل الماضي، عن اعتقال العميد حامد برهوم الذي نجد اسمه في دفتر اللواء ملحم.
ونشرت قوات الأمن السورية صوراً للعميد برهوم بعد اعتقاله إثر كمين، إذ تم توقيفه مع عناصر تابعين للنظام الساقط وبحوزته سلاح من نوع كلاشينكوف.


أما العميد حبيب صافيا، الذي كان رئيس جهاز الشرطة العسكرية في حلب، فقد لقي مصرعه في حادث سير على طريق دمشق في العام 2019 وسط تكهنات حول “حادث مدبر” من قبل النظام ضمن صراعات على النفوذ في الأجهزة الأمنية.
الأصدقاء متعددو الجنسيات
دأب النظام السوري منذ بداية تدخل حلفائه لصالحه مع اشتداد عود الثورة السورية على استعمال مصطلح “الأصدقاء” للإشارة لحلفائه العسكريين، خصوصاً إبان التدخل الروسي الذي قلب موازين المعارك لمصلحة النظام لفترة طويلة قبل سقوطه. لكن الأصدقاء كانوا روساً أحياناً وإيرانيين في أحيان أخرى، وانضمت دول مثل الصين ودول غير معترف بها مثل أبخازيا لحلف “الأصدقاء”، والذين كانوا “أشقاء” لدى بعض المغالين من أنصار الأسد.
ولا يغيب ذكر الأصدقاء الروس والإيرانيين من دفتر هواتف اللواء كفاح ملحم. إذ نجد أسماء متفرقة لمترجمين روسيين وإيرانيين، وأسماء ضباط مثل “الرائد يوري” الذي يرد في مكان آخر باسم “العقيد يوري”، والمقدم الروسي “ادكار”. كما يدون اللواء رقماً للواء روسي يحمل اسم “بلال” يبدو أنه يمارس نشاطاته في القامشلي.
حضور الأصدقاء أو “الأشقاء” الإيرانيين يبدو أكثر فجاجة في صفحات اللواء. إذ نجد رقماً للحاج عامر الحيدري أو “قائد لواء زين العابدين” كما يصفه ملحم، وهي مليشيات عسكرية تأسست في محافظة دير الزور بدعم من إيران وحزب الله. وكذلك رقم محمد السعيد قائد لواء القدس، وهي مليشيات فلسطينية سورية، تأسست في مدينة حلب عام 2013، وتشير العديد من المصادر إلى تلقيها دعماً مالياً ولوجستياً من الحرس الثوري الإيراني.
علاوة على أسماء القادة العسكريين التابعين لمليشيات بولاءات مختلفة، يبرز اسم ورقم اللواء جميل السيد، الذي يصفه الكثيرون بأنه “رجل النظام السوري في لبنان”، حيث كان مديراً للأمن العام. واعتُقل سابقاً على خلفية التحقيقات في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، قبل أن يفرج عنه بعد سنوات.
ولا ينسى اللواء أصدقاءه ومواطنيه السوريين كذلك، فنجد اسم راجي فلحوط الذي أسس في السويداء “مليشيات الفجر” التي كانت مدعومة من فرع المخابرات العسكرية الذي قاده ملحم لسنوات عديدة. وقد انتهى الأمر بفلحوط مجهول المصير بعد معارك مع تشكيلات عسكرية أخرى في المحافظة في تموز/يوليو 2022 انتهت بالقضاء على مليشياته و”فقدان الاتصال به”.
اللواء الأخطبوط
تكشف مئات الأسماء والأرقام المدونة بخط يد اللواء ملحم عن تشعب علاقاته وقوته، ليس فقط ضمن الدوائر العسكرية والاستخباراتية في سوريا، بل تمتد إلى مختلف المؤسسات المدنية والطبية والإعلامية، ورجال المال وحتى شخصيات “المعارضة”.
في قمة أرقام اللواء ملحم نجد أسماء لحيتان الاقتصاد السوري، في عهد نظام الأسد، وهم رامي مخلوف، ابن خالة بشار الأسد وصاحب الإمبراطورية الاقتصادية الأضخم في سوريا – والتي تقلصت في وقت لاحق بعد إبعاده لمصلحة أسماء الأسد – وأبو سليم دعبول، الذي كان مديراً لمكتب رئاسة الجمهورية في عهد الأسدين الأب والابن، وواحداً من أثرى رجال الأعمال في البلاد، وحسام قاطرجي أحد أشهر أذرع النظام الاقتصادية، والخاضع لعقوبات دولية بسبب نشاطاته الاقتصادية المشبوهة.
للمؤسسات الحكومية غير العسكرية حصتها أيضاً في دفتر اللواء ملحم، فنجد أرقاماً للعديد من الوزارات والوزراء، لعل أبرزها وزير شؤون رئاسة الجمهورية، منصور عزام الذي تؤكد تقارير صحفية أنه كان على متن الطائرة الشخصية التي نقلت رئيس النظام المخلوع بشار الأسد إلى موسكو. كما نجد رقماً لـ “رئيس الحكومة” من دون اسم، ويشير الرقم المدون إلى رقم اتصال داخلي.
ولعل شخصاً بمرتبة اللواء لا يهتم كثيراً لاسم رئيس الوزراء بل للموقع بحد ذاته. ويتكرر الحال مع رقم مفتي الجمهورية المدون من دون اسم، علماً أن آخر من شغل هذا المنصب حتى إلغائه عام 2021 كان الشيخ بدر الدين حسون، والذي اعتقل عقب سقوط نظام الأسد، وظهر في فيديو بثته وزارة العدل السورية أمام قاضي التحقيق.

تمتد أذرع اللواء ملحم إلى مجموعات وأفراد عرفوا لسنوات باسم “المعارضة الداخلية”، أو ما كان يحلو للنظام تسميتهم “المعارضة تحت سقف الوطن”.
إذ نجد رقماً للتواصل مع المعارض علاء عرفات، والذي كان عضواً في هيئة التفاوض السورية ومنصة موسكو. ويبدو أن اللواء يعتبره ممثلاً للمعارض قدري جميل الذي يضع اسمه بين قوسين إلى جانب اسم عرفات. ويتكرر في نفس الصفحة تدوين رقم المعارض محمد سيد رصاص ممثلاً، على ما يبدو، للمعارض حسن عبد العظيم، وكلاهما عضوان في الحزب الشيوعي، وهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، ما يفتح السؤال حول ممارسات ملحم تجاه المعارضة السورية في الداخل.
في رده على أسئلة “سراج”، أكد رصاص أنه لا يعلم سبب “ورود رقمه في هاتف اللواء ملحم”، مشيراً إلى “عدم حصول أي تواصل مسبق على الإطلاق”، وأوضح أنه ممنوع من السفر بأمر صادر من مكتب الأمن القومي منذ عام 2008، وهذا هو المكتب الذي ترأسه ملحم لاحقاً بعد تغييره ليصبح مكتب الأمن الوطني.
كما قضى رصاص 15 عاماً في السجن بين عامي 1980 و1995، وذلك بعد محاكمته أمام محكمة أمن الدولة بسبب انضمامه للحزب الشيوعي.

في زحمة الأرقام والرتب العسكرية والاستخباراتية والسياسية، نجد أرقاماً لمهنيين وآخرين لا بد منهم حتى في حياة لواء متهم بجرائم حرب. فنجد رقماً لعاملين “صحية وحلاق”، ورقماً لـ “أبو شاكر هجرة وجوازات”، الدائرة المدنية التي كان السوريون يعانون الوقوف فيها لساعات طويلة للحصول على وثائق السفر، ويحتاج فيها مسؤول بحجم مدير الأمن الوطني لرقم هاتف أحدهم لتسريع العمليات لمقربيه.
هنا نضع بين يدي القراء نسخة إلكترونية تحاكي النسخة الحقيقية من دفتر الهواتف الخاص بكفاح ملحم المدير السابق لمكتب الأمن الوطني في نظام الأسد المخلوع، تم تمويه الأرقام حفاظاً على الخصوصية، واحتراماً لمسار المحاسبة لمرتكبي الانتهاكات المحتملين في عهد النظام المخلوع.
-
التنسيق الإبداعي والحلول البصرية: رضوان عواد.
-
تدقيق وإشراف: منار الرشواني.