Lorem ipsum dolor sit amet, consectetur adipiscing elit

“ملفات دمشق”: “البعثي النزيه”.. قصة تعيينات قضاة محكمة الإرهاب الدموية

يكشف هذا التحقيق ضمن مشروع “ملفات دمشق”، كيف أشرف نظام الأسد المخلوع على اصطفاء قضاة محكمة الإرهاب الدموية بناء على ولائهم للنظام ضمن مراسلات سرية للتدخل في تعيينات المعهد القضائي.

بدايات عام 2013، ومع اقتراب الثورة السورية من عامها الثاني، أصدر وزير العدل في نظام الأسد المخلوع نجم حمد الأحمد قراراً حمل الرقم 491/ل، تضمن أسماء الناجحين في مسابقة أعلنت عنها الوزارة مسبقاً للانضمام إلى الدفعة السابعة من المعهد القضائي، المؤسّسة المخوّلة آنذاك بتأهيل القضاة عموماً في سوريا.

من بين  الأسماء الـ267 التي شملها القرار المذكور، كان اسم رازي الفريج الذي يبدو أن النظام السابق قرر استحقاقه في الوصول إلى مؤسسة نخبوية مثل “المعهد القضائي” نتيجة امتلاكه مؤهلًا استثنائيًا وهو الولاء. 

هو نجل فهد جاسم الفريج، وزير الدفاع في نظام الأسد بين 18 تموز/يوليو 2012 و1 كانون الثاني/يناير 2018، والمتهم بجرائم حرب والمطلوب أمام القضاء الفرنسي عقب صدور مذكرة توقيف بحقه عام 2023.

 هكذا، لم يحتج رازي الفريج إلى “دراسة حالة” أمنية من مخابرات نظام الأسد التي أحكمت قبضتها على النظام القضائي منذ المرحلة الأولى، بداية بتأهيل خريجي كليات الحقوق في المعهد القضائي و وصولاً إلى تعيينهم في مناصب قضائية حساسة بمنصب قاض، في محكمة الإرهاب التي تمتلك في ذاكرة السوريين سجلاً حافلاً بالقمع المغلف بغطاء القانون.

يكشف هذا التقرير المعمق، عبر وثائق  حصرية اطلعت عليها الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية “سراج”، ضمن مشروع “ملفات دمشق”، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJ، كيف أشرف الجهاز الأمني الدموي على اختيار التعيينات القضائية في البلاد بسلطة كاملة، معتمدةً الولاء للنظام فسادًا وإهدارًا لأبسط حقوق الإنسان.

وملفات دمشقهو مشروع تحقيقات استقصائية تشاركي يديرهالاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين ICIJبالتعاون مع هيئة البث العامة الألمانية NDR، ويضم  صحفيين من مختلف أنحاء العالم لكشف تفاصيل جديدة مروّعة حول أحد أكثر أنظمة القتل التي تديرها دولة وحشيةً في القرن الحادي والعشرين: نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد.

أمضى الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين ICIJ وهيئة الاذاعة الألمانية NDR و126 صحافي من 24 منصّة إعلامية شريكة في 20 دولة أكثر من ثمانية أشهر في تنظيم هذه الوثائق وتحليلها، واستشارة الخبراء، وإجراء مقابلات مع عائلات سورية ما زالت تبحث عن أحبائها الذين اختفوا تحت حكم الأسد.

يكشف مشروع تحقيقاتملفات دمشقعن البنية الداخلية لجهاز أمن الأسد وصلاته بحكومات أجنبية ومنظمات دولية، ويتكوّن التسريب من أكثر من 134 ألف ملف مكتوبة في الغالب باللغة العربيةما يعادل نحو 243 غيغابايت من البيانات

تغطي هذه الوثائق على مدى أكثر من ثلاثة عقود، من عام 1994 حتى ديسمبر 2024، وتعود أصولها إلى مخابرات سلاح الجو وإدارة المخابرات العامة في سوريا.

وقد فُرضت على هاتين الجهتين الاستخباراتيين عقوبات واسعة من الولايات المتحدة وأوروبا بسبب ممارساتهم الوحشية، بما في ذلك التعذيب والعنف الجنسي.

وتشمل المواد مذكرات داخلية وتقارير ومراسلات تكشف آليات العمل اليومي لشبكة الأسد في المراقبة والاعتقال، إضافة إلى تنسيقها مع حلفاء أجانب مثل روسيا وإيران، واتصالاتها مع وكالات تابعة للأمم المتحدة تعمل داخل سوريا.

كما تتضمّن قاعدة البيانات شديدة الحساسية أسماء عدد من عناصر المخابرات السورية السابقين.

اصطفاء أمني حسب المنطقة 

تُظهر صور وثائق صادرة عن فرع الأمن الجوي في إدارة المخابرات الجوية عام 2012 مراسلات داخلية تطالب فروع تلك الإدارة في المناطق الشمالية والشرقية والوسطى والجنوبية والساحلية، إضافة إلى فرع المهام الخاصة وفرع التحقيق، إجراء “دراسة” عن مواطنين سوريين ترد أسماؤهم في سبع قوائم مُنفصلة مصنفة حسب المناطق، وتضم كل منها ما بين 39 إلى 200 اسم من المتقدمين لمسابقة الدورة السابعة للمعهد القضائي في عام 2012.

يلاحظ في جميع المراسلات من إدارة المخابرات الجوية إلى فروع المناطق تشديدها على ضرورة إرسال “دراسة الحالة” للأسماء الواردة في القوائم بالسرعة القصوى قبل تاريخ 17 كانون الأول/ديسمبر 2012، أي قبل أسابيع قليلة من صدور النتائج المُعلن عنها من وزارة العدل في قرار الوزير نجم الأحمد بتاريخ 12 شباط/فبراير 2013.

اختتمت المراسلات بين فروع المخابرات الجوية بكتاب صادر من العميد أركان همام زينة، والذي كان مكلفاً حينئذ بتسيير أمور فرع الأمن الجوي، إلى اللواء عامر العشي رئيس فرع المعلومات في إدارة المخابرات العامة في نظام الأسد. 

ويشير الكتاب إلى تعذر وصول دراسة حالة حول المواطنين من فرعي المخابرات الجوية في المنطقتين الشرقية والشمالية دون تبرير لذلك، لكنّ الحقيقة هي أنهما كانتا خارج سيطرة نظام الأسد في تلك الفترة.

صورة من الكتاب المرسل من العميد همام زينة إلى اللواء عامر العشي حول دراسة حالة المتقدمين إلى مسابقة المعهد القضائي – سراج.

وتظهر صور الوثائق ديباجة مكررة كانت تستعملها أجهزة مخابرات نظام الأسد لتصنيف المتقدمين إلى المعهد القضائي بناء على ميلهم السياسي ومدى انخراطهم أو عائلاتهم في الثورة. فعدا عن سطحية التعاطي المخابراتي مع عملية معقدة كهذه، فإن التصنيف البسيط ضمن ثلاثية “موالي – محايد – معارض” كان العامل الرئيسي في تحديد المسار المهني لمئات القضاة المحتملين، واستبعاد العديد منهم بسبب عدم رضا المخابرات عن توجهاتهم السياسية أو تاريخهم العائلي. 

وقد شكل ذلك أحد ركائز منظومة أوسع جامدة واختزالية هدفها الوحيد اصطفاء القضاة ممن ينطبق عليهم الثالوث المقدس لدى مخابرات الأسد: “بعثي – جيد السمعة والأخلاق – سمعة العائلة حسنة”، وفق ما تظهره وثائق اطلع عليها معدو التحقيق.

المعارضة فقط “سوء أخلاق”

دراسات الحالة الصادرة عن المخابرات الجوية والتي عاينها صحفيو “سراج”، تضم في قائمتها الكاملة 1,027 اسماً ممن تقدموا للدورة السابعة في المعهد القضائي، نجح منها في النهاية 267 اسماً فقط هم المعلن عنهم في قرار وزارة العدل، مع استبعاد كامل لكل من صنفته المخابرات على أنه “معارض سيئ الأخلاق”. 

ونجد في دراسة حالة لمتقدم من السويداء تصنيفاً يلومه على الميول السياسية لشقيقه. إذ جاء في دراسة حالته: “شقيقه معارض سلبي حاقد، يشارك في المظاهرات ويشجع عليها ـ من أسرة متأثرة بالمعارضة. (المذكور متأثر بشقيقه)”.

تظهر الوثيقة استبعاد شخص من مسابقة المعهد تبعاً للميول السياسية لشقيقه – سراج.

 

اقتران المعارضة بسوء الأخلاق لدى المخابرات الجوية يشمل حتى البعثيين. ففي دراسة حالات المتقدمين من محافظة درعا والذين نجح العديد منهم في المسابقة، نجد تكراراً لملاحظة أنهم بالإضافة إلى كونهم بعثيين فهم لم يشاركوا في المظاهرات وليسوا “متعصبين دينياً”.

تضم قائمة الناجحين النهائية والتي أصدرتها وزارة العدل عام 2013 أغلبية ساحقة ممن صنفتهم المخابرات على أنهم من “البعثيين ذوي الأخلاق الحسنة”، باستثناء نجل وزير الدفاع السابق رازي فهد الفريج، الذي لا تظهر دراسة حالة له أسوة بأكثر من ألف من المتقدمين الباقين.

وتُظهر وثائق شاركها معنا موقع “زمان الوصل”، المفارقة الكبرى في معايير الأخلاق الحسنة المؤهلة للعمل في القضاء لدى مخابرات الأسد. إذ إن رازي الفريج الذي سيصبح فيما بعد قاضياً من دون الحاجة لـ”دراسة حالة”، كان قد حُرر بحقه ضبط يحمل رقم 48 في عام 1997 وبطاقة جرمية برقم 81199 بتهمة “التحرش الجنسي”.

وثيقة منشورة في صحيفة “زمان الوصل” بتاريخ 19 آب / أغسطس 2017 تظهر رقم الضبط باسم رازي فهد الفريج بتهمة التحرش الجنسي.

هذه التصنيفات رغم سطحيتها فإنها كانت المحدد الرئيسي للتعيينات والنجاح من عدمه في مسابقات المعهد القضائي. وطبقاً للأمين العام لنقابة المحامين في سوريا، أميمة إدريس – والتي عينتها النقابة بعد أشهر من سقوط نظام الأسد- فإن التغول الأمني كان السلطة الرئيسية في اختيار الناجحين إضافة لتدخلات ووساطات من القيادات الحزبية في حزب البعث والوزراء. وهي عملية استمرت على حالها بعد تغيير اسم المعهد القضائي عام 2013 ليصبح المعهد العالي للقضاء عبر القانون 23 الذي أصدره الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وتلفت إدريس في حديث إلى “سراج” إلى أن سطوة المخابرات لم تقتصر على غربلة المتقدمين بحسب ولائهم وميلهم السياسي، بل كذلك بحسب انتمائهم المناطقي والطائفي، بحيث كانت التعيينات تميل لمحافظات الساحل السوري. وهو ما تؤيده الوثائق، إذ ينتمي أكثر من 20 بالمئة من الناجحين لمحافظة واحدة هي محافظة طرطوس.

من النيابة إلى محكمة الإرهاب

في منتصف عام 2015، أعلنت وزارة العدل في قرارها رقم 3891/ل تعيين خريجي الدفعة السابعة من المعهد القضائي في النيابة العامة في مختلف المحافظات السورية. وقد تم تعيين رازي فهد الفريج في النيابة العامة في محافظة حماة. 

كما تضم قائمة التعيينات سبعة قضاة آخرين هم مريم الدغلي ومحمد الصفر وعلاء صالح وسحر سليطين ووائل الموصلي ومحمد قلا عواد وباسم الجدي، والذين سينضمون للفريج بعد ذلك بسنوات للعمل في “محكمة الإرهاب”.

وكانت هذه المحكمة التي يقتصر عملها على العاصمة دمشق، قد استحدثت من قبل نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد بموجب القانون رقم 22 الصادر بتاريخ 25 تموز/يوليو 2012، وتصدر قراراتها بموجب قانون مكافحة الإرهاب الصادر قبل تأسيسها بـ 23 يوماً، وذلك في 2 تموز/يوليو 2012.

استعمل النظام السوري محكمة الإرهاب والأحكام الصادرة عنها لسنوات طويلة من عمر الثورة السورية كأداة قمع وإخضاع للتخلص من معارضيه. وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن عدد القضايا التي نظرت فيها المحكمة منذ تأسيسها وحتى عام 2020 بلغ أكثر من 90 ألف قضية، أفضت إلى إصدار أكثر من 20 ألف حكم بالسجن وأكثر من 2,100 حكم بالإعدام، كان معظمها غيابياً ولم ينفذ لأن المحكومين لم يكونوا معتقلين عند صدور الحكم.

ولم تكن أحكام السجن والإعدام الصادرة عن المحكمة الأداة الوحيدة لخنق معارضي الأسد، بل أصدرت كذلك آلاف أحكام الحجز ومصادرة أموال المعارضين، بما فيها حبس الميراث عن أطفال المعارضين للنظام.

المحكمة التي وصفتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان بأنها “فرع أمن إضافي” للنظام السوري المخلوع، كانت تحاكم المعتقلين الموقوفين من دون أي مذكرات قضائية أو تهم واضحة، في تواطؤ واضح مع الأجهزة الأمنية. كما إن قضاة هذه المحكمة -معروفي الولاء سابقاً- كانوا يتعاملون مع الاعترافات الواردة من فروع الأمن تحت التعذيب على أنها إقرار من المتهمين وتصدر أحكامهم بناء على ذلك. هذا عدا عن أن العديد من جلسات المحكمة كانت تتم بحضور عناصر أمنية لترهيب الموقوفين.

كما وثقت الشبكة آلية متكاملة لابتزاز عائلات المعتقلين مارستها محكمة الإرهاب من خلال إجراءات لوجستية بطيئة ومعقدة مما يسهل عمل الشبكات المافيوية التابعة للنظام لابتزاز أهالي المعتقلين مقابل مبالغ مالية ضخمة للحصول على معلومات عن أبنائهم، إضافة إلى الرشاوى الضخمة التي يحصل عليها قضاة التحقيق في المحكمة لإصدار إخلاء سبيل للمعتقلين المحولين من الفروع الأمنية.

في خضم هذه المنهجية في التعيينات لمع نجم رازي فهد الفريج وزملاء له من خريجي الدفعة السابعة في المعهد القضائي. إذ عمل سبعة منهم على الأقل في محكمة الإرهاب في فترات متفرقة خلال سنوات الثورة حتى سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر 2024.

يقول قتيبة ح. وهو معتقل سابق لدى فرع أمن الدولة في عام 2016، إن القاضي السابق رازي الفريج والذي كان يشغل منصب قاضي التحقيق الحادي عشر في محكمة الإرهاب، طلب من والده عبر وسيط دفع مبلغ 8 ملايين ليرة سورية (ما يعادل حوالي 16 ألف دولار أمريكي آنذاك) مقابل الإفراج عنه وإصدار أمر بإخلاء سبيله.

قتيبة كان قد اعتقل بسبب “تشابه أسماء” وتعرض للتعذيب في المعتقل. وبسبب عدم قدرة عائلته على دفع المبلغ المطلوب من الفريج، رفض الأخير الإفراج عنه وأبلغ والده بأن ابنه لن يخرج “طالما بقيت قاضياً في المحكمة”، بحسب كلام قتيبة. 

وقد استمر الفريج برفض جميع طلبات إخلاء سبيله، ثم وجه له تهماً جديدة بتشكيل منظمة إرهابية وتمويل الإرهاب ليبقي عليه خلف القضبان لثلاثة أعوام كاملة قبل أن يتم تنحية الفريج من منصبه وتنتهي معاناة قتيبة بإخلاء سبيله في شهر كانون الثاني/يناير 2019 بانتظار استكمال محاكمته من قبل القاضي الرابع في محكمة الإرهاب والذي استنكر توقيفه لهذه المدة الطويلة بحسب كلامه، ليخرج قتيبة من السجن بعد انتظار طويل.

محاسبة منتظرة

سطوة وزير الدفاع السابق فهد الفريج والتي كانت سبباً في تزكية ابنه لدى المخابرات الجوية من دون حاجة “لدراسة حالة” تلاشت بعد إقالة والده من منصبه. إذ عزله الرئيس المخلوع بشار الأسد عام 2018 من عمله في محكمة الإرهاب بعد أشهر من إقالة والده، لينتقل للعمل في محكمة الصلح في منطقة الحجر الأسود في ريف دمشق.

وبعد سقوط نظام الأسد، أصدر وزير العدل السابق في الحكومة السورية الانتقالية، شادي الويسي، قراراً في شباط/فبراير 2025 باعتبار ثمانية قضاة بينهم رازي الفريج بحكم المستقيلين بسبب انقطاعهم عن عملهم، وسط أنباء عن فراره من البلاد خشية المحاسبة.

لم يتسنى الوصول إلى رازي الفريج للتعليق، ولا يزال مكانه مجهولاً.

فيما أشار مصدر مطلع من خلال عمله في سلك القضاء السوري لـ “سراج” أن الفريج يقيم في الإمارات بعد هربه من سوريا.

القرار الصادر عن وزير العدل السابق، شادي الويسي باعتبار رازي الفريج بحكم المستقيل بسبب انقطاعه عن العمل.

هذا القرار تبعه مرسوم في حزيران/يونيو الماضي، أصدره رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وحمل رقم 88 لعام 2025، عزل بموجبه 67 قاضياً عملوا سابقاً في محكمة الإرهاب الملغاة، من بينهم بعض القضاة الذين تأهلوا للمحكمة من خلال المعهد القضائي، وذلك بعد تحقيقات أجرتها الحكومة الانتقالية عبر وزارة العدل.

وأكدت وزارة العدل في بيان  عقب صدور المرسوم، أنها أحالت ملفات بعض القضاة المعزولين للنائب العام لاستكمال التحقيقات الجزائية، ودعت السوريين للتقدم بالشكاوى والأدلة حول تجاوزات قضاة المحكمة أمام السلطات.

وتؤكد الأمين العام لنقابة المحامين في سوريا، أميمة إدريس، أنّ وزارة العدل الحالية عملت على إجراء عاجل لإصلاح الفساد المرتبط بالمعهد القضائي وذلك عبر قرار وزير العدل مظهر الويس بإلغاء الدورة الرابعة للمعهد العالي للقضاء نتيجة لتوصيات اللجنة التفتيشية التي شكلتها الوزارة.

وبحسب إدريس، فإن الحكومة الانتقالية لجأت إلى حل إسعافي عبر الإعلان عن مسابقة جديدة لتعيين قضاة، ومن خلالها ترشح نقابة المحامين الأسماء بعد التدقيق في مسيرتهم المهنية وسمعتهم الأخلاقية والسلوكية واشتراط عدم تورطهم في أي تجاوزات في عهد نظام الأسد المخلوع، معتبرة أن هذه الآلية ستوفر أفضل الخيارات الموجودة حالياً للارتقاء بمستوى القضاء السوري.

رغم ذلك، اعتبر قاض منشق عن النظام السابق، أن السلطات الانتقالية في سوريا أضعفت سردية الثورة وضحايا الفساد القضائي من خلال قرارها بعزل قضاة محكمة الإرهاب في المرسوم 88 فيما وصفه بالـ “العمل الانتقامي”. 

وأوضح القاضي الذي تحدث إلى “سراج” شريطة عدم الكشف عن اسمه، بسبب عودته إلى السلك القضائي، أنّ السبيل القانوني الصحيح كان يجب أن يتم عبر إخضاع هؤلاء القضاة لمستويين من المحاكمات وهي: المحاكمات الإدارية أمام مجلس القضاء الأعلى ثم عزلهم في حال ثبوت أي تجاوزات لصلاحياتهم، والانتقال بعدها لإجراءات نزع الحصانة عنهم وتحريك الدعوى العامة بحقهم من خلال “مجلس الإذن” المخول بهذا الشأن وعندها يحضر القضاة أمام قاضي التحقيق لمحاكمتهم وتطبيق عقوبة السجن في حال ثبتت إدانتهم.

فوق ذلك، لا يزال قتيبة وأمثاله يعانون حتى اليوم من آثار سلطة محكمة الإرهاب والأحكام التي أصدرتها بحق آلاف السوريين. فبعد سقوط النظام وعودته إلى سوريا، اكتشف قتيبة أنه ممنوع من السفر بسبب صدور حكم غيابي بحقه بالسجن عشر سنوات في العام 2020 وغرامة تبلغ 241 مليون ليرة سورية (حوالي 190 ألف دولار أمريكي آنذاك).

يقول: “قضيت زيارتي إلى سوريا ما بين وزارتي العدل والمالية”، ورغم كل محاولاته إلا أن السلطات لم ترفع عنه منع السفر بعد. وبحسب قتيبة، فإن الموظفين أخبروه بوجود قسم خاص في وزارة العدل لهذه الحالات بسبب كثرتها، وأقصى ما استطاع الحصول عليه هو إذن سفر لمرة واحدة مكنه من مغادرة البلاد.

ويضيف: “كنت حيًا مع وقف التنفيذ منذ خروجي من السجن إلى أن غادرت البلاد، ولا زلت حتى اليوم أعمل لسداد الديون التي تراكمت عليّ وعلى عائلتي بسبب السجن وخسارة العمل. لا أعلم لم أحمل عواقب حكم محكمة ألغتها الحكومة الجديدة حتى اليوم.”

لم تستجب وزارة العدل السورية لطلبات “سراج” المتكررة للرد على أسئلتها بخصوص التعيينات، وما ورد في التقرير.


  • التنسيق الإبداعي والحلول البصرية: رضوان عواد.


اترك تعليقًا

التسجيل غير مطلوب



بقيامك بالتعليق فإنك تقبل سياسة الخصوصية

لا يوجد تعليقات