في يوم صافٍ وباردٍ من أوائل كانون الثاني/ يناير الماضي، رُصد السطح الأحمر لسفينة شحن بالقرب من صومعة حبوب في ميناء على البحر الأسود خاضع لسيطرة القوات الروسية المحتلّة في أوكرانيا.
إلى جانب سفينتين شقيقتين، كانت سفينة الشحن هذه قد خضعت للتو لعقوبات من الاتحاد الأوروبي لانتمائها إلى ما يسمى بـ”أسطول الظل” الروسي shadow fleet – وهي شبكة من السفن ذات الملكية الغامضة التي ساعدت في نقل الحبوب الأوكرانية المنهوبة وغيرها من البضائع على رغم شبكة من العقوبات الدولية عليها.
كانت السفن الثلاث، التي تُسمى في الأصل “فينيقيا” و”لاوديسيا” و”سوريا”، مملوكة سابقًا للحكومة السورية، الحليف الرئيسي لروسيا في ظل حكم الديكتاتور السابق، بشار الأسد، ولكن في عام 2023، مُنحت إلى شركة خارجية في جزر سيشل، وهي أرخبيل في المحيط الهندي تلتزم بلوائح صارمة لسرية الشركات ولا تكشف علنًا عن أسماء مالكي الشركة.
في حزيران/ يونيو الماضي، كانت السفن من بين مئات الكيانات والأفراد السوريين الذين أزالتهم وزارة الخزانة الأميركية من قائمة عقوباتها، مانحةً الحكومة الجديدة في البلاد إعفاءً من العقوبات بعد إطاحة الأسد.
لكن يمكن للصحافيين الآن الكشف عن أن الشركة المسجلة في جزر سيشل التي اشترت السفن ولا تزال تملك سفينتين، كان يديرها شخص يبدو أنه مطلع على بواطن الأمور في نظام الأسد، وفقًا لعقود البيع والسجلات المؤسسية التي حصل عليها مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، وشريكه السوري “الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية” – سراج.
هناك مؤشر آخر إلى أن السفن ربما تكون استولت عليها جهات مقربة من الديكتاتور السابق قبل سقوطه، إذ باعت مؤسسة حكومية سورية سفينتين على الأقل إلى شركة مقرها في جزر سيشل مقابل دولار واحد لكل منهما.
وقال فيتوريو ماريسكا دي سيراكابريولا، المتخصص في العقوبات في شركة كرم شعار الاستشارية النيوزيلندية، والتي تُركز على الاقتصاد السياسي السوري: “إن بيع هياكل بملايين الدولارات مقابل دولار واحد يُشير بقوة إلى صفقة بين أطراف ذات صلة تهدف إلى نقل الأصول من دفاتر الدولة السورية مع إبقائها تحت سيطرة النظام الفعلية”. وأضاف أن الأمر يبدو “مثالاً واضحاً” على “التهام الدولة السورية على نطاق أوسع” الذي حدث في السنوات الأخيرة من حكم الأسد.
وقال: “جُرِّدت الأصول العامة من الخزانة وحُوِّلت إلى كيانات خارجية مرتبطة بشبكاته، ما طمس أي خط فاصل بين ممتلكات الدولة وثروة النظام السابق”، مشيراً إلى أنه “حتى بعد إطاحة الأسد، تُظهر عمليات نقل الأصول هذه مدى ترسّخ نظام المحسوبية الذي يتبعه”.
منذ بيعها عام 2023، سلكت سفن الشحن الثلاث طرق التجارة بشكل غامض، مستخدمةً أسماءً متعددة، ومُزيِّفةً هوية بلد تسجيلها بما يُسمى “أعلاماً زائفة”، ومُعطِّلةً بشكل متكرر الأنظمة المُستخدمة لبث مواقعها وما يعرف بنظام التتبع الملاحي AIS إلى السلطات والسفن الأخرى.
وتزعم السلطات الأوكرانية أن السفن الثلاث تنتمي إلى أسطول ساعد روسيا في مصادرة نحو 15 مليون طن من الحبوب الأوكرانية منذ الغزو الروسي عام 2022.
تمكّن الصحافيون من تجميع بعض التحركات الأخيرة للسفن بمساعدة صور الأقمار الصناعية ومتخصصي تتبع السفن. كشفت قوائم الطاقم والوثائق الأخرى التي حصل عليها الصحافيون عن دليل آخر حول من قد يكون وراءها: منذ أن باعتها الحكومة، أصبحت السفن تُدار – وفي إحدى الحالات، تم الاستحواذ عليها – من شركات مرتبطة بطاهر كيالي، وهو سوري (65 عامًا) يخضع لعقوبات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بتهمة الإتجار البحري المزعوم بالكبتاغون، مخدر قائم على مادة الأمفيتامين غير المشروعة، والذي كانت تجارته المربحة شريان حياة مالياً لنظام الأسد.
لم يستجب كيالي وشركة الهدى القابضة المحدودة في جزر سيشل التي اشترت السفن في عام 2023، لطلبات التعليق. ولم يتمكن الصحافيون من الوصول إلى مدير شركة الهدى القابضة وقت البيع، وهو رجل أعمال سوري يُدعى علي محمد ديب.
يتماشى بيع السفن مع نمط موثّق في تقرير صدر عام 2024 عن مؤسسة بروكينغز، وهي مؤسسة بحثية مقرها واشنطن. يوضح التقرير بالتفصيل كيف أخضع الأسد قطاعات رئيسية من الاقتصاد السوري لسيطرته من خلال استخدام واجهات أعمال خاصة، غالبًا ما يقودها وكلاء غير بارزين.
ويشير التقرير إلى أن إعادة الهيكلة هذه كانت تهدف إلى عزل نظامه عن العقوبات، وقد زادت من تآكل “الفروق بين الميزانية العامة والمالية الشخصية لعائلة الأسد”.
في أيار/ مايو 2025، أنشأ مرسوم رئاسي موجز وقّعه الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لجنة مكلفة بتتبع الأموال المسروقة والتحقيق فيها حتى يتم “التحقق منها قانونيًا”. وبصرف النظر عن ذلك، كان هناك قدر ضئيل من الشفافية في جهود الحكومة الجديدة لاستعادة الثروة التي راكمها الأسد، بشكل فاسد خلال حكمه وأودعها في أصول فاخرة وحسابات مصرفية سرية في بعض عواصم العالم، قبل أن يفرّ إلى روسيا.
ولم تستجب وزارة النقل السورية لطلبات التعليق على بيع السفن. فيما أبلغت الهيئة العامة السورية للمنافذ البرية والبحرية، وهي هيئة جديدة أنشأتها الحكومة الانتقالية في البلاد، مشروعَ OCCRP أن بيع السفن تم قبل إنشائها في عام 2025، ولم تُقدم أي معلومات إضافية.
سفن الدولار الواحد
لأكثر من عقد، عملت سفن فينيقيا، لاوديسيا وسوريا تحت ملكية الهيئة العامة السورية للنقل البحري، وهي تتبع لوزارة النقل في حكومة الأسد.

ثم في عام 2023، بيعت السفن الثلاث لشركة خارجية غامضة.
تأسست شركة الهدى القابضة، ومقرها جزر سيشل، في كانون الثاني/ يناير 2019، وليس لها موقع إلكتروني. وحتى الآن، لم تُكشف للجمهور أي معلومات عن الأفراد المنخرطين مباشرةً في عمل الشركة.
لكن المؤسسة العامة السورية للنقل البحري باعت اثنتين من السفن – فينيقيا وسوريا – للشركة في نيسان/ أبريل 2023 بسعر رمزي قدره دولار واحد فقط لكل منهما، وفقًا لعقود البيع التي حصلت عليها الوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج.
استحوذت شركة الهدى القابضة المحدودة على السفينة الثالثة، لاوديسيا، في الوقت ذاته تقريبًا، لكن OCCRP لم تتمكن من التحقق من سعر البيع.
صرح يوروك إيشيك، محلل الشحن البحري، الذي يدير شركة استشارات Bosphorus Observer ومقرها إسطنبول، بأنه لاحظ وجود السفن مرات عدة في مضيق البوسفور.
وقال إيشيك: ” في مضيق البوسفور خصوصاً، ترى سفناً روسية كثيرة، ومحركاتها قديمة جدًا، إذ بالكاد تستطيع السفينة الصعود إلى البحر الأسود… هذه السفن الثلاث ليست كذلك، فهي تحقق سرعات جيدة”.
يتمتع علي محمد ديب، مدير شركة الهدى القابضة، الذي وقّع باسمه على العقود التي تبلغ قيمتها دولارًا واحدًا، بشهرة عامة محدودة. لكن السجلات والعقود الخاصة بالشركات السورية التي حصل عليها “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” وشريكه “سراج”، تكشف عن وجود علاقات عميقة بينه وبين الكثير من الأفراد والشركات المرتبطة بنظام الأسد، وقد تم فرض عقوبات على الكثيرين منهم بسبب هذه الروابط.



على سبيل المثال، كان علي محمد ديب مساهمًا بنسبة 33 في المئة في شركة “إيلوما” الاستثمارية السورية المساهمة الخاصة، التي تأسست عام 2023، واستحوذت في العام التالي على عمليات وإيرادات تذاكر الخطوط الجوية السورية المملوكة للدولة، وفقًا لوثائق سُرّبت إلى سراج.
فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شركة “إيلوما” في كانون الثاني/ يناير 2024، واصفًا إياها بأنها “واجهة لعائلة الأسد وجزء من مساعي النظام لتحقيق مكاسب شخصية من خلال التلاعب بالاقتصاد”.
كما شغل ديب منصب رئيس مجلس إدارة شركة “إيلوما” في عام 2024، وفقًا لعقد مبرم بين الشركة والخطوط الجوية السورية.
صرح المدير العام السابق لشركة الطيران السورية، عبيدة جبرائيل، الذي قاد الشركة خلال مفاوضات العقد مع “إيلوما”، لسراج، أن ديب كان يمثل مصالح نظام الأسد.
وقال جبرائيل إنه أُبلغ آنذاك بأن “إيلوما”، التي لم يكن لها سجل حافل في مجال الطيران، كانت “شركة الرئيس”.
تُظهر سجلات الشركات السورية أن ديب كان يمتلك أيضًا حصصًا في ثماني شركات أخرى على الأقل تأسست بين عامي 2021 و2024. وقد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على ثلاثة من زملائه المساهمين في هذه الشركات لدعمهم نظام الأسد والاستفادة منه، وهم علي نجيب ابراهيم، أحمد خليل خليل، وناصر ديب ديب.
كما تم تحديد رجلي الأعمال الأولين، بالإضافة إلى المساهمين الآخرين إلى جانب علي محمد ديب في شركة “إيلوما”، في تقرير معهد بروكينغز كجزء من شبكة من واجهات الأعمال التجارية للأسد، والتي شملت مستشاره الاقتصادي السابق، يسار حسين إبراهيم.

لم يتمكن OCCRP من التواصل مع يسار إبراهيم، أو المساهمين في شركة Iloma، أو علي نجيب إبراهيم للتعليق، بينما لم يُجب أحمد خليل خليل، وناصر ديب ديب، عن استفسارات الصحافيين.
لا تزال شركة الهدى المسجلة في سيشل تملك سفينتي سوريا ولاوديسيا حتى يومنا هذا، وفقًا للمنظمة البحرية الدولية، وهي وكالة الأمم المتحدة المسؤولة عن سلامة الشحن البحري. لكن ملكية السفينة الثالثة – فينيقيا – نُقلت إلى شركة أخرى في الإمارات العربية المتحدة.
تُظهر السجلات التي حصل عليها OCCRP وسراج، أن لهذه الشركة صلات متعددة برجل أعمال سوري مُعاقب، معروف بسوء سمعته كمُهرب كبتاغون مزعوم.
الصلة بالكبتاغون
في 24 كانون الثاني/ يناير من هذا العام، وبعد أكثر من شهر بقليل من فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي عليها، إلى جانب سفن شقيقة لها، بسبب مزاعم “نقل حبوب أوكرانية مسروقة”، سُجلت ملكية سفينة “فينيقيا” لشركة مُسجلة في الإمارات العربية المتحدة تُدعى Levant Fleet LLC-FZ، وفقًا لقاعدة بيانات الشحن إكواسيس – Equasis.
تفاصيل المساهمين والمستفيدين من شركة ليفانت فليت المحدودة – المنطقة الحرة غير متاحة للعامة، لكن المراسلين وجدوا شركتين أخريين في ولايات قضائية أخرى تُعرفان أيضًا باسم ليفانت فليت، مرتبطتين بطاهر كيالي، رجل الأعمال السوري، الذي اتهمته الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بالاتجار في الأمفيتامين غير المشروع كبتاغون، مما يثير تساؤلات حول تورطه المحتمل في ليفانت فليت في الإمارات العربية المتحدة.
كانت شركة ليفانت فليت المحدودة في المملكة المتحدة مملوكة سابقًا لطاهر كيالي، ويبدو أنها قدمت خدمات إدارية لسفن لاوديسيا وسوريا وفينيقيا.
تُظهر النسخ المؤرشفة من موقع شركة “ليفانت فليت” الإلكتروني الإماراتية أنه حتى كانون الثاني/ يناير من هذا العام، كان الموقع يُقدّم نفسه على أنه البوابة العامة لشركة “ليفانت فليت المحدودة” في بريطانيا، حيث كان كيالي مديرًا بين اب/ أغسطس 2020 ونيسان/ أبريل 2023، وكان المساهم الوحيد فيها عام 2020. استقال كيالي بعد أسبوع من فرض الحكومة البريطانية عقوبات عليه، زاعمةً أنه “رجل أعمال بارز ذو صلات بصناعة الكبتاغون“، وأنه “مرتبط بعمليات ضبط كبتاغون متعددة، بما في ذلك في أوروبا”.
في حين أن كيالي لم يعد منخرطًا في الشركة البريطانية، تُظهر السجلات أنه مدير شركة في بنما تُعرف أيضًا باسم “ليفانت فليت المحدودة ش.م.”، ويحمل مديروها التنفيذيون ذات أسماء مديري شركة “ليفانت فليت المحدودة” في لندن، ما يُشير إلى وجود صلة قرابة بين الشركتين.
تتولى شركة “ليفانت فليت”، ومقرها المملكة المتحدة، مسؤولية إدارة السلامة لسفينتي “لاوديسيا” و”سوريا” منذ عام 2023، وفقًا لقاعدة بيانات الشحن “إكواسيس”، وتتولى إدارة طاقمي “سوريا” و”فينيكيا” منذ عام 2024، وفقًا لعقود عمل جزئية حصلت عليها “سراج”.
وتحمل قائمة طاقم “سوريا” المؤرخة في 5 كانون الثاني/ يناير 2024 اسم “أورينت فليت” في أعلى الوثيقة. كما أن كيالي مساهم بنسبة 99 في المئة في شركة سورية تأسست عام 2022 باسم “أورينت فليت ماريتايم ذ.م.م”.
يحمل المساهم الآخر في شركة كيالي “أورينت فليت ماريتايم” الاسم نفسه، وهو مؤيد هاني واليو، بصفته أمين سر شركة “ليفانت فليت”، ومقرها المملكة المتحدة. عمل كل من كيالي وواليو كضابطين في شركتي “ليفانت فليت” البريطانية والبنمية، بينما يشغل أحمد الخانجي، وهو رجل ثالث، منصب مدير في كلتَي الشركتين.
لم يستجب واليو لطلبات التعليق. وصرح الخانجي لـ OCCRP بأنه انفصل عن Levant Fleet، في عام 2023 بسبب “نزاع مع موظفي الشركة لا يزال مستمراً حتى يومنا هذا”.
وقال في معرض رده عبر الإيميل: “أنا منفصل عن شركة ليفانت فليت منذ ما يقارب السنتين، فعلياً عندما عُيِّنت كمدير مرة أخرى في عام 2023، بقيت في الشركة لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر لأدخل بعدها في خلاف مع أفراد الشركة مستمر حتى يومنا هذا. وكما علمت أن الشركة منذ ذلك الحين توقفت عن العمل وأُغلقت، ولكن لا أملك تفاصيل أكثر من ذلك… أنا الآن خارج البلاد ولدي عملي الخاص. أما باقي أسئلتكم فللأسف لا أستطيع تقديم أي مساعدة لكم لعدم امتلاكي أي معلومات تخصّهم بعد خلافي الكبير مع الشركة”.
ولم يُجب عن أسئلة لاحقة حول علاقاته بطاهر كيالي و”ليفانت فليت” في المملكة المتحدة والإمارات العربية المتحدة وبنما لغاية نشر التحقيق.
لم تستجب شركتا أورينت فليت ماريتايم، و”ليفانت فليت” التي تتخذ من الإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة مقراً لها، لطلبات التعليق. لكن بعد إرسال الاستفسارات، تلقى مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) رسالة من رقم سوري مجهول، تظهر صورة ملفه الشخصي اسم – نبتونوس – لشركة سورية أخرى تابعة لكيالي فُرضت عليها عقوبات غربية.
وقال الكاتب/ المرسِل إنهم كانوا يردون على أسئلة حول “ليفانت فليت” ووعدوا بتقديم “جميع الوثائق والمواد اللازمة”، لكنهم لم يفعلوا ذلك لغاية نشر التحقيق.
في أيلول/ سبتمبر 2025، تغيرت ملكية سفينة فينيقيا مرة أخرى، إذ نُقلت إلى شركة باياز للشحن المحدودة -Bayaze Shipping Ltd، وهي شركة تأسست في جزر مارشال في 13 حزيران/ يونيو الماضي، وفقاً للمنظمة البحرية الدولية وسجلات الشركة.
أعلام مزيّفة
عندما رُصدت سفينة فينيقيا في كانون الثاني/ يناير الماضي على مقربة صومعة حبوب في محطة أفليتا للشحن في سيفاستوبول، الميناء الأوكراني المطل على البحر الأسود الذي استولت عليه روسيا في شباط/ فبراير 2014، لم يمضِ سوى أسبوعين على فرض عقوبات الاتحاد الأوروبي عليها.
أبحرت السفينة الآن تحت اسمها الثالث منذ عام 2009 – مونتي بيانكو – Monte Bianco وعلم جديد، لدولة غامبيا، وهو أيضًا علمها الثالث منذ ذلك الحين. كان جهاز الإرسال والاستقبال AIS المستخدم لبث موقعها لا يبث، لكن السفينة ظلت مرئية عبر الأقمار الاصطناعية، وفقًا لصورة قدمتها شركة فانتور للاستخبارات عبر الأقمار الصناعية إلى OCCRP.

هذا النوع من التناوب المنتظم للأسماء وأعلام التسجيل، بالإضافة إلى تعطيل أجهزة الإرسال والاستقبال AIS، كان سمة مميزة لجميع السفن السورية الثلاث منذ أن باعها نظام الأسد في عام 2023.
كما زوّرت السفن الثلاث هوية بلدان تسجيلها من خلال ما يُسمى “أعلام زائفة”. على سبيل المثال، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، سُجِّلت سفن الشحن لدى مملكة إسواتيني، المعروفة سابقًا باسم سوازيلاند، في جنوب أفريقيا. ولكن بعد شهر واحد فقط، ألغت هذه الدولة الأفريقية غير الساحلية التسجيلات، مشيرةً إلى “انتهاك مباشر” لسياساتها، وفقًا لما ذكرته السلطات البحرية في إسواتيني لـ OCCRP.

المصدر: جيمس أوبراين/OCCRP/SIRAJ
واصلت سفن الشحن السورية الثلاث رفع علم إسواتيني في عام 2024، وكانت تُسافر بشكل رئيسي بين روسيا وسوريا، على الرغم من أن الدولة الأفريقية أبلغت المنظمة البحرية الدولية في رسالة في آب/أغسطس من العام الماضي، أنها “لم تُعطِ الإذن بعد لأي شركة أو وكالة لتسجيل سفن تبحر في أعالي البحار تحت علمها”.
وقالت ميشيل بوكمان، كبيرة محللي الاستخبارات البحرية، في شركة ويندوارد للاستشارات البحرية، إن “التنقل بين الأعلام” سلوك شائع للسفن الخاضعة للعقوبات، والتي تواجه خيارات محدودة من الدول الراغبة في قبول تسجيلاتها.
وكتبت في تقريرٍ قُدّم هذا العام إلى اللجنة البحرية الفيدرالية الأميركية، أن هذه السفن، التي تفتقر إلى تأمينٍ ساري المفعول وشهادات سلامةٍ أخرى، تُشكّل “تهديداتٍ جسيمة” للسلامة والأمن البحري والبيئة. وأضافت: “هذه السفن في جوهرها خارجةٌ عن القانون وعديمة الجنسية”.
وعندما سُئلت المنظمة البحرية الدولية عن رفع الأعلام الزائفة، قالت إنها ممارسةٌ إشكاليةٌ تمنع السلطات من ممارسة سيطرةٍ فعّالةٍ على السفن في البحر، ولكن “لا يوجد حاليًا إطارٌ دوليٌّ مُلزمٌ لتنظيم عملية تسجيل السفن”.
وعلى رغم جهودهم في التعتيم، ساعدت صور الأقمار الصناعية ومنشورات تتبع السفن المُخصصة، الصحافيين على تتبع بعض تحركات سفن الشحن الأخيرة.
على سبيل المثال، غادرت السفينة “سوريا”، التي تُسمى الآن “سان داميان” – San Damian ولا تزال ترفع علمًا زائفًا لمملكة إسواتيني، ميناء القوقاز في جنوب روسيا في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، ورست بعد أكثر من أسبوعٍ بقليل في محطة الحبوب بميناء الإسكندرية في مصر.
تشير صور الأقمار الصناعية التي حللها مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP)، إلى أن السفينة كانت راسية في ميناء اللاذقية السوري في 30 حزيران/ يونيو الماضي.
وبعد توقفها في ميناء سيفاستوبول في كانون الثاني/يناير، شوهدت السفينة فينيقيا وهي تبحر في المياه الزرقاء الصافية قبالة قبرص في حزيران/ يونيو باسم جديد – مونتي بيانكو – Monte Bianco وترفع علم تيمور الشرقية، وهو ما وصفه موقع المنظمة البحرية الدولية بأنه “علم مزيف”.
وأبلغ سجل سفن تيمور الشرقية مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) في تموز/ يوليو الماضي، أنّ السلطات في تيمور الشرقية لا تحتفظ بسجل دولي للسفن، وليس لديها علم بالسفينة.
فيما رصد إيشيك من شركة الاستشارات “بوسفور أوبزرفر” السفينة – التي تحمل اسمًا جديدًا آخر، “باياز دي” – وهي تعبر مضيق البوسفور بعد بضعة أسابيع. ووفقًا لموقع تتبع السفن “فيسيل فايندر”، كانت متجهة إلى ميناء “قوقاز” الروسي –Kavkaz port. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، في 17 تموز/ يوليو، شوهدت مرة أخرى بالقرب من إسطنبول.
ووفقًا لفلاديسلاف فلاسيوك، مفوض العقوبات للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فقد أجرت السفينة “فينيقيا” زيارة في ميناء “كوميش-بورون” المحتل في آب/ أغسطس 2025. (تُظهر بيانات تتبع السفن التي راجعها مشروع مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) السفينة في المنطقة في ذلك الوقت).
وفي الوقت نفسه، شوهدت السفينة “لاوديسيا” بالقرب من سيمفيروبول في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا في حزيران/ يونيو الماضي، ورُصدت بعد أشهر عدة وهي تبحر بالقرب من اليونان وقبرص وتركيا قبل أن تتوقف في لبنان.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، أوقفت السفينة نظامها الآلي لتحديد الهوية (AIS) حتى نيسان/ أبريل 2025. وخلال هذه الفترة “المظلمة”، رصد مراسلو “سراج” السفينة راسية في ميناء اللاذقية في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، بعد أكثر من خمسة أسابيع من سقوط نظام الأسد.
سفينة “مونتي روزا” يظهر اسمها جزئيًا تحت غطاء قماشي وضع لإخفاء الاسم. ميناء اللاذقية، كانون الثاني/ يناير 2025، حصري/ سراج.
كان اسم السفينة الجديد مخفيًا خلف غطاء عُلق على ظهرها. لكن الاسم الجديد – “مونتي روزا” – Monte Rosa ظل ظاهرًا على قارب نجاة على سطح السفينة. رَفعت هَبة رياح الغطاء لفترة كافية ليتمكن الصحافيون من رؤية كلمة “روزا” مكتوبة على هيكل السفينة.
* ساهم في إعداد التحقيق: أحمد حاج بكري (سراج)، رنا صباغ وموقع “درج”.